إستمرار «حزب الله» بتعطيل الإنتخابات الرئاسية لن يوقف التحركات المتسارعة لانتخاب الرئيس
تكثيف الإتصالات مع واشنطن وموسكو لمساعدة لبنان في تخطي الصعوبات القائمة
إن تعطيل الانتخابات الرئاسية لمدة سنتين لإيصال اللبنانيّين إلى حالة القرف لهدف تغيير النظام لن يتحقق
مع استمرار «حزب الله» الإيغال في تعطيل الانتخابات الرئاسية ومنع أي مرشّح من الفوز بهذه الانتخابات حتى ولو كان من حلفاء الحزب الأساسيين كما هي حال زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، لم تعد كل الحجج والذرائع التي يتلطى وراءها الحزب تقنع أحداً حتى العديد من النواب المتحالفين معه والذين باتوا مستائين من هذا التصرف السلبي وغير مقتنعين بصوابيته بالرغم من العلاقة التي تربطهم بالحزب، وأصبحوا يجاهرون بمواقفهم وتأييدهم لخيار إنتخاب فرنجية رئيساً بعد أن تقلصت المواقف المؤيدة لانتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون كثيراً في الآونة الأخيرة.
وإزاء هذا الواقع الذي فرضه الحزب من خلال منع العديد من النواب المتحالفين معه من حضور جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية لتعطيل النصاب الدستوري لجلسات الانتخاب المتتالية منذ حوالى السنتين وحتى الأمس القريب، بات السؤال الملحّ الذي يطغى على الواقع السياسي، هل دخلت عملية إنتخاب رئيس الجمهورية في طموحات وعروضات الحزب العلنية والمستترة لتغيير النظام السياسي، أم في انتظار تبدلات إقليمية ودولية مرتقبة تجعل انتخاب أي رئيس للجمهورية مهما كان قريباً من حلفاء الحزب لا يُشكّل عائقاً أمام استمرار الاحتفاظ بالسلاح غير الشرعي متفلتاً من أي ضوابط أو قيود أو مرجعية رسمية للدولة اللبنانية، أو معارضاً لإمعان الحزب بالتدخل في شؤون بعض الدول العربية وغيرها أمنياً وعسكرياً وما شابه كما يحدث في الوقت الحاضر؟
ولعل الإجابة على السؤالين المطروحين قد صدرت في مواقف علنية لأكثرية الزعامات والفاعليات السياسية والحزبية وبعضها حليف وقريب للحزب نفسه، وكلها ترفض رفضاً قاطعاً كل ما يطرح من عروضات لتغيير النظام السياسي أو المس بجوهره وتشدد على الالتزام بالطائف باعتباره يُشكّل نموذجاً فريداً ليس للبنان فقط، وإنما لدول عربية تعاني حالياً من ويلات الاقتتال الطائفي والمذهبي منذ سنوات، ولا تجد صيغة لإنهاء الحروب التي تتخبط فيها حتى اليوم وأن كانت صيغة «الطائف» أصبحت مطروحة جدياً لاعتمادها في إطفاء نار الحروب المشتعلة في الجوار العربي.
ولذلك، فإن تعطيل الانتخابات الرئاسية لمدة سنتين متواصلتين لإيصال اللبنانيين إلى حالة القرف واليأس والاهتراء والاستسلام في النهاية لهدف تغيير النظام قد يكون مبالغاً فيه كثيراً ولن يتحقق بالرغم من المعاناة وتقل التداعيات السلبية على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وغيرها، جرّاء تعطيل الانتخابات الرئاسية وعدم وجود رئيس للجمهورية في سدة السلطة، ولان الإصرار على تنفيذه مباشرة أو مواربة باعتماد هذا الاسلوب الترهيبي سيدخل البلاد في مكامن خلافات حادّة قد تتطور إلى اختلالات أمنية خطيرة لا يمكن لأي طرف مهما كان قوياً بالسلاح أو غيره التحكم بمجرياتها ونتائجها المدمرة على كل الأطراف واللبنانيين عموماً من دون استثناء، الأمر الذي يجعل من اعتماد مثل هذا السيناريو مستبعداً ولا يمكن ان يحقق أية نتائج إيجابية مرجوة منه.
اما فيما يتعلق بضمان وصول رئيس للجمهورية لا يتعرّض لسلاح «حزب الله» غير الشرعي أو لتوجهات وطموحات ومصالح الحزب خارج الحدود، فليس لدى اللبنانيين على اختلافهم أوهام فوق العادة بهذا الخصوص، لأن وصول أي شخصية لرئاسة الجمهورية مهما كان انتماؤه السياسي وتوجهاته وطموحاته سيتعاطى بواقعية مع مسألة السلاح انطلاقاً من المصلحة اللبنانية العامة وفي إطار الحفاظ على أمن واستقرار البلد ككل، ولان مسألة البت بمصير السلاح تخضع لتوازنات إقليمية ودولية دقيقة ولظروف مؤاتية لا بدّ من توفرها، اما مسألة استمرار تفلت السلاح بالداخل والخارج على ما هو جارٍ حالياً، فلا بدّ ان تكون موضع مساءلة ولو بالحد الادنى انطلاقاً من مسؤوليات الرئيس الجديد الدستورية والتزامه تجاه اللبنانيين والخارج معاً، ولعل هذا هو السبب الرئيسي الذي يخشاه الحزب ويعمل كل ما في وسعه لتعطيل وتأجيل عملية انتخاب الرئيس الجديد تحت ذرائع وهمية مزيفة انكشفت على حقيقتها لدى ترشيح النائب سليمان فرنجية ولم تعد بحاجة للشرح أو للتوضيح.
ولكن في ضوء ذلك هل ستتوقف المساعي والجهود المبذولة من الأطراف السياسيين الأساسيين الداعين لانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن؟ الجواب كلا بالطبع لأن الركون لعملية التعطيل التي يمارسها «حزب الله» لعملية الانتخاب تعني ضمناً الاعتراف بالفشل والموافقة على ما يرمي إليه ويسعى لتحقيق من أهداف غير معلنة جرّاء ذلك، والرد سيكون من خلال الإصرار على إجراء الانتخابات الرئاسية بالتكاتف بين جميع المؤيّدين بالداخل وقد أصبحوا أكثرية بالرغم من تبايناتهم السياسية، وبالتزامن مع توظيف الثقل الإقليمي والدولي الداعم لهذا التوجه في أكثر من موقف صادر عن الدول المؤثرة بالتطورات وبالوضع السائد حالياً ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وقد تشهد الجهود المبذولة تحركات لافتة ميدانية تجاه المسؤولين الروس لحثهم على التحرّك بفاعلية أكثر وخصوصاً تجاه طهران للمساعدة في إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان بأقرب وقت ممكن.