يمكن القول إن تأجيل انتخاب رئيس للجمهورية للمرة الرابعة والثلاثين بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني في مجلس النواب أمس، كان أشد مرارة وأكثر مدعاة للقلق في نفوس اللبنانيين من المرات السابقة، لسبب أساسي هو أن النواب الممتنعين عن حضور الجلسات أثبتوا قدرتهم مرة أخرى، على «حبس» اللبنانيين جميعاً في نفق الفراغ الرئاسي المظلم والشلل المؤسساتي الشامل، بعد أن شعت مؤخراً بادرة أمل بالخروج منه عند إطلاق الرئيس سعد الحريري مبادرة انتخاب رئيس تيار «المردة« النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية.
وإذا كان التعبير عن هذا القلق يظهر لدى قوى 14 آذار والشارع اللبناني، من خلال دق ناقوس الخطر الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن الفراغ والشلل، إلا أن مدلول استمرار الفراغ بالرغم من إطلاق «المبادرة الرئاسية» له معاني عدة برأي النواب الذين حضروا جلسة الأمس، إذ يؤكد عضو كتلة «المستقبل« النائب جان أوغاسبيان لـ«المستقبل»، أن «حزب الله لن يفرج عن ملف الرئاسة قبل إيجاد الحلول للنظام في سوريا»، ويوافقه الرأي عضو الكتلة النائب أمين وهبي لافتاً الى أنه «بعد مبادرة الرئيس الحريري تبين أن الحزب ومن خلفه إيران لا يريدان قيام الدولة في لبنان ولا إنهاء الفراغ إلا بعد تسليم وقبول اللبنانيين بالمصالح الإيرانية في لبنان».
ويعتبر عضو «اللقاء الديمقراطي« النائب هنري أنه «للأسف تم ربط مصيرنا بمصير ما يحصل في المنطقة، وبما أن الوضع متشنج فسيكون له تأثيراته على لبنان وملفاته العالقة وأولها الملف الرئاسي».
ويرى عضو كتلة «الكتائب« النائب نديم الجميل أن «النفق الرئاسي طويل ويزيده حزب الله عتمة من خلال منع انتخاب رئيس لكي يبقى ممسكاً بزمام البلاد». ويشدد عضو كتلة «القوات اللبنانية« النائب فادي كرم على أن «القوات لا تزال تسعى لأن تصل المبادرة الرئاسية التي أطلقها الرئيس الحريري إلى نهاية جيدة، وليس المهم من يكون الرئيس المهم هو إنهاء الفراغ».
إذن، لا رئيس في المدى المنظور بسبب استمرار التعطيل، وهذا ما يوافق عليه وهبي بالقول: «بذلنا كل ما بوسعنا لإنقاذ لبنان، وتجاوزنا الحسابات السياسية لإعادة الروح إلى مؤسسات الدولة، لكن بعد مبادرة الرئيس الحريري تبين على الملأ أن حزب الله وإيران لا يريدان انتخاب رئيس بل تعميم الشلل لوضع اللبنانيين أمام خيارين، إما القبول بالمصالح الإيرانية في لبنان أو الفراغ المظلم وهذا ما يلمسه اللبنانيون».
ويرى أوغاسبيان أن «حزب الله لن يُفرج عن انتخاب رئيس قريباً، بل يربط الملف الرئاسي بمصير النظام في سوريا، وبالتالي فهو يترك الأمور معلقة مع الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، وبالتالي فكلام 8 آذار بأنهم حصلوا على مكسب انتخاب رئيس من صفوفهم وهم يحاولون التفاوض حول الحكومة وقانون الانتخاب هو مجرد ذر رماد في العيون، لأن الملف الرئاسي في لبنان بات مرتبطاً بالملف السوري أكثر من أي وقت مضى».
ويأسف حلو «لربط مصير الرئاسة في لبنان بمصير المنطقة وما يحصل فيها، خصوصاً أن الأمور تزداد تشنجاً وتأثيراً على لبنان».
ويضيف: «إلى متى سنبقى على هذه الحال؟ هو سؤال يُطرح على النواب الذين لا يحضرون الجلسات، خصوصاً أنه حين طُرحت المبادرة تأملنا بنتائج إيجابية، لكن سرعان ما تعقدت الأمور والمحصلة أن المواطن اللبناني يعاني على كل الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية».
ويرى الجميل أن «اللبنانيين لم يخرجوا من نفق الفراغ بالرغم من أن المبادرة كانت الشعلة التي أنارت العتمة لوقت قليل، واليوم نرى أن النفق طويل وحزب الله يزيده ظلاماً، لأنه لا يريد انتخاب رئيس سواء أكان سليمان فرنجية أو ميشال عون، بل يريد أن يبقى الفراغ الدستوري وتعطيل المؤسسات لاستباحة الأراضي والقرار اللبناني من دون محاسبة رسمية».
ويأمل كرم «أن تستمر محاولات انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن، لكن هناك أفرقاء لا يريدون انتخاب رئيس بدليل أنهم يعرقلون اكتمال النصاب في جلسات انتخاب رئيس والاختيار بين المرشحين».
ويضيف: «القوات ما زالت من الفرقاء الذين يحاولون أن تصل المبادرة الرئاسية التي طرحها الرئيس الحريري الى نتائجها الإيجابية، أي انتخاب رئيس بأسرع وقت بغض النظر عن الأسماء».