لو اعتصرتَ كل ما تدبّجه أقلام الممانعة في أعقاب التطورات السورية الأخيرة من إدلب حتى القلمون، لتراوحت نوباتها بين «ترويحتين«:
واحدة تتعامل مع نظام آل الأسد على أنّه يمثّل الحلقة الأضعف في منظومة الممانعة التي تقودها طهران، في حين تقدّم «حزب الله» على أنه الفصيل الطليعي الأكثر حيوية ومراساً في هذه المنظومة، وبالتالي «اللحظة الملحمية» المكررة عندها، على ما تشتهيه، هي لحظة إنقاذ الحزب للنظام.
وثانية تتعامل مع نظام آل الأسد بوصفه الحصان الذي يقود العربة، فلو نفق الحصان توقفت العربة، التي تحمل من ضمن من تحملهم، «حزب الله«، من دون أن يشطب ذلك السؤال عمّن يمسك بالرسن.
بين هذه النظرة وتلك فوارق. وبطبيعة الحال، أهل النظام الأسدي يفضّلون الاستعارة الثانية على الأولى، لكن ماذا عن أهالي «حزب الله»؟ هل بمستطاعهم فعلاً قبول إحدى الصورتين؟
فإن كان النظام الأسدي هو الحصان الذي إن نفق توقفت العربة، فمعنى هذا أنّهم يخاطرون بمصالحهم ومواقعهم وما راكموه، من أجل حصان غير مضمون بقاؤه. فهل يعقل مثلاً أن لا تكون لـ»حزب الله» خطة بديلة في حال سقوط النظام؟ وهل معقول أن لا يسأل المناخ الأهلي حوله عن هكذا خطة؟ هل إذا انهار النظام مثلاً، سيكمل «حزب الله» حربه في سوريا؟ على ما يبدو هذا ما نحن ذاهبون اليه. أن ينهار النظام – وهو أساساً منذ سنتين نظام احتضار دموي – ويبقى «حزب الله» وبقايا النظام الأسدي «السابق» المتحللة في بعض المناطق.
أما اذا كان النظام الأسدي هو الحلقة الأضعف، وأسوأ ما في الممانعة، الذي ينبغي على «حزب الله»، أفضل ما في الممانعة، انقاذه، وهذا رأي له شعبيته في أوساط الحزب ومن حوله، فهذا معناه أن الحزب ينقذ النظام في علاقة غير متكافئة.
فالتكافؤ هو أن يحمي الحزب النظام ويحمي النظام الحزب. لكن أن تكون المعادلة وبشكل مزمن هو ان يحمي شباب الحزب مومياء النظام فهل يعقل أن تكون عقيدة حربية يتحمّس لها أي شاب في هذا العالم؟ لا شك أنّ المؤثرات العاطفية، المذهبية البحت، أو الخلاصية المهدوية، وما بينهما من تعبئة ضد التكفيريين، تؤدي أدواراً تحفيزية للقتال. لكن في نهاية الأمر، كل هذه المؤثرات تعود فتزرع لدى المقاتل الحزبي فكرة ان «حزبنا، أفضل من النظام السوري، بمئة مرة، والنظام عالة على الحزب«.
إذاً لماذا كل هذا العناء؟ لماذا يكون مصير الحزب معلّقاً بنظام لا يحميه بل يحتمي به؟ وبحرب سورية بات الاحتمال الأرجح أن تستمر بعد سقوط النظام، وأن يستمر «حزب الله» فيها بعد سقوط النظام، وأكثر: ان تزداد أعباء مشاركته فيها بعد سقوط النظام.
ليس صحيحاً أن قواعد الحزب لا تسأل. سواء أخذت بالصورة الترويجية الأولى – الحزب ينقذ النظام، أو الثانية – النظام هو الحصان والحزب في العربة، فلذلك تبعاته. وفي الحالتين هناك شبح: أن يرحل النظام، وتبقى الحاجة الى تدخل «الحزب» في سوريا، والى النزيف الدموي لشبابه فيها.
إنّ تراجع الضغط اللبناني المناوئ بشكل مثابر لتدخل الحزب في سوريا، والاكتفاء منه بالرفض غير المفعّل ميدانياً أو نضالياً ضد هذا التدخل، يجعل الحزب أكثر فأكثر أمام أسئلة جمهوره، وهذا الجمهور ينبغي قلما فكّرت القوى المناهضة للممانعة بالتحدّث إليه، بشفافية ومباشرة، إنما بشكل يتفاعل بصدق مع محنته. وهذا يكون بتبني مطلب إيقاف سقوط ضحايا لبنانيين في سوريا كمطلب وطني أساسي، وليس أبداً الانزلاق الى منطق أن الحزب حرّ بناسه، لكن المشكلة معه أنه يعتدي على الشعب السوري، أو يعرّض اللبنانيين في الداخل للخطر. لا، الأولوية ينبغي أن تكون للمنطق المغاير: الشباب اللبناني الذي يضحى به في سوريا هم شبابنا، والدعوة الى تجنيب هذا الشباب التهلكة هي في آن واحد مصلحة مباشرة للطائفة الشيعية، ومصلحة مشتركة لكل اللبنانيين.