عوامل إقليمية وإيرانية تقود الحزب لإبقاء الاستحقاق معلقاً على الفراغ
«حزب الله» مقتنع بعدم تبنّي الحريري لعون.. لكن ماذا عن قلب الطاولة؟
سفير دولة كبرى لبكركي: لا أعرف مَن سيكون الرئيس لكنني أعرف أن رئيس تيّار المستقبل سيكون رئيساً للحكومة
في المشهد الرئاسي الراهن، قبل موعد الجلسة النيابية لانتخابات الرئاسة في الثاني من آذار، تكريس لوجود ثلاثة مرشحين: فريق مسيحي وازن يتبنى العماد ميشال عون الذي محضه حليفه «حزب الله» كل الدعم ما دام مستمراً في الترشّح، وفريق سنّي وازن يتبنى النائب سليمان فرنجية الذي يحظى بتأييد حليفه نبيه بري، وفريق درزي وازن يتبنى ترشيح النائب هنري حلو. ولا شيء يشي راهناً بإمكان حصول تغيير في مواقف المرشحين أو الداعمين لهم.
على أن أكثر من جهة سياسية تصف جلسة الثاني من آذار بالمفصلية، في ظل الزخم الذي أضفاه زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري على الحركة السياسية بمجيئه إلى لبنان إحياءً للذكرى الحادية عشرة لاغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومقاربته للاستحقاق في خطاب «البيال» وفي مروحة الاتصالات الواسعة من زاوية ضرورة إنهاء الشغور الرئاسي والدفع في اتجاه نزول مختلف الأفرقاء إلى ساحة النجمة لانتخاب رئيس مِن أجل إنهاء هذا الشغور الذي يترك تداعياته على مختلف المستويات في البلاد.
«حزب الله»، الذي كان لافتاً تجاهل أمينه العام السيّد حسن نصر الله للملف الرئاسي في إحياء «ذكرى قادته» التي أعقبت احتفال البيال، بدا وكأنه يترك الساحة للحريري كي يستنفد محاولاته ومساعيه الهادفة إلى حض الكتل النيابية على تأمين نصاب الثلثين للجلسة، والتي سيظهر له، لدى انعقادها، استحالة هذا الأمر، وسيتيقن أكثر أن حتى مرشحه سليمان فرنجية لن يكون حاضراً ما دام الحزب لم يمنحه الضوء الأخضر لذلك.
والرهان القائم لدى داعمي عون أن المعادلة، التي ستترسّخ أكثر بعد الثاني من آذار، هي إما عون وإما الفراغ. فإذا كان الحريري عازماً على إنهاء الشغور، فليس أمامه سوى الانضمام إلى خيار تبني «جنرال الرابية» لإيصاله إلى قصر بعبدا رئيساً. ومنطلق هذا الرهان، أن هدف الحريري من الضغط لانتخاب الرئيس لا ينحصر برغبته في إعادة الانتظام إلى الحياة الدستورية فحسب، بل هاجسه أيضاً العودة بقوة إلى السلطة من بوابة الرئاسة الثالثة. وسيدفع به هذا الهاجس إلى التعامل بواقعية مع المعطيات التي تظهر أن إمكانية إيصال مرشح من المرشحين الأربعة الأقوياء الذين كرّسهم «اتفاق بكركي» غير متوافرة إلا أمام عون. فكما آلت به الواقعية إلى التخلي عن خيار مرشحيّ 14 آذار سمير جعجع وأمين الجميل لعدم القدرة على تحقيق توافق حولهما، سيعمد عندها إلى التخلي عن خيار فرنجية لعدم القدرة على إيصاله بفعل إمساك «حزب الله» بورقة النصاب، والذهاب إلى تبني زعيم «التيار الوطني الحر».
رهان قد يصح البناء عليه إذا كان فعلاً يندرج في حسابات «حزب الله» الفعلية. فعلى الرغم من إعلان نصر الله مراراً التزامه بعون ما دام مرشحاً، إلا أن الاقتناع الراسخ لدى مرجعيات سياسية ودينية ودبلوماسية أن خيار «حزب الله» ليس العماد عون. وقد عبّر عن هذا الاقتناع مؤخراً سفراء دول غربية بارزة خلال تلبيتهم دعوة البطريرك الماروني إلى بكركي للبحث في السبل الآيلة إلى الدفع لانتخاب رئيس للجمهورية. وتوقف دبلوماسيون عند مداخلة سفير دولة كبرى، التي اتفق فيها مع الآخرين، أن «حزب الله» لا يريد عون رئيساً، لكنه أردف قائلاً: «أنا لا أعرف مَن سيكون رئيس الجمهورية المقبل، لكنني أعرف أن سعد الحريري هو الذي سيكون رئيساً للحكومة».
الثابت في قراءة تلك المرجعيات أن تمسّك «حزب الله» بترشيح عون يندرج في الحسابات الاستراتيجية بفعل الغطاء الذي يوفره له تحالفه مع «التيار العوني»، والذي تحتّم مصالحه الإبقاء عليه، ولا سيما في ظل انخراطه بالحرب الإقليمية الدائرة وفي انتظار جلاء أوضح لمآل المواجهات على أكثر من جبهة، ولا سيما على الجبهة السورية وما ستؤول إليه الجبهات الأخرى المستعرّة في العراق واليمن، وتبلور اتجاه المسار السياسي الداخلي الذي سيحكم إيران على ضوء الانتخابات التشريعية وانتخابات مجلس الخبراء في السادس والعشرين من شباط الحالي، والذي من شأنه أن ينعكس، في رأي متابعين للشأن الإيراني، على كيفية تعامل طهران مع ملفات المنطقة، إما مزيداً من التشدّد أو بداية من الحلحلة والانفراج. تلك العوامل تقود الحزب إلى الاستمرار في إبقاء الاستحقاق معلقاً على الفراغ، ما دامت ساعة القرار لم تحن بعد، وما دام مرتاحاً على وضعه، داخلياً وإقليمياً، ويمكن أن تحمل له الأشهر المقبلة «انتصارات» تعزز له موقعه في خضم التحوّلات التي تحمل معها ملامح نشوء كيانات جغرافية جديدة قد لا يكون لبنان بمنأى عنها.
وفي رأي مراقبين أن رهان «حزب الله» الفعلي ينطلق من معطيات لديه بأن الحريري لن يذهب إلى تبني عون مهما كانت الظروف، وهي معطيات تبدو مطابقة لأجواء موجودة داخل «تيار المستقبل» نظراً إلى صعوبة تقبّل هذا الخيار لدى كوادره ومحازبيه، مما قد يرتد سلباً عليه وعلى تماسك جمهوره، بعكس الحال مع ترشيح فرنجية الذي استطاع التيار التأقلم معه بعد استيعاب الصدمة الأولى، نظراً إلى إمكان صوغ علاقة مستقبلية انطلاقاً من تاريخ البيت السياسي الذي ينتمي إليه الرجل والذي يُؤمن بالعيش المشترك و«اتفاق الطائف» وأهمية الحفاظ عليه.
غير أن تعطيل «حزب الله» للنصاب، مستظلاً إصرار عون على الترشح، يدفع بجهات سياسية إلى السؤال: ماذا سيكون عليه موقف الحزب إذا قلب الحريري الطاولة وسار بـ «جنرال الرابية»؟ ولا سيما أن الإتيان بعون رئيساً، في ظل دعم «القوات اللبنانية» وتبني 14 آذار له، سيؤول حكماً إلى تسمية الحريري رئيساً للحكومة وإلى استعادة التوازن المفقود، فضلاً عن أن عون الطامح إلى الرئاسة يريد أن يحقق نجاحاً في عهده، وهو ما لا يمكن توفّره إلا في شراكة مع رئيس حكومة قوي!