يسعى “حزب الله” إلى حوار مع “تيار المستقبل” لتخفيف الاحتقان داخل الشارع الإسلامي، وهو يعترف بأنه أخطأ عندما أسقط حكومة الرئيس سعد الحريري، وفرض على البلد، وعلى السُنَّة تحديداً، رئيساً آخر للوزراء، مما أثار الشارع السني الذي يدين في معظمه بالولاء لـ”المستقبل” على رغم كل ما يقال عن تراجع التيار الأزرق في أكثر من منطقة. في المقابل، لم يسع “تيار المستقبل” مع حلفائه في الأكثرية النيابية التي تحققت له في انتخابات 2005 و2009، الى فرض رئيس لمجلس النواب غير الرئيس نبيه بري الذي سمَّته الأكثرية الشيعية بمباركة من القيادة الدينية للطائفة، وذلك احتراما لميثاقية قام عليها لبنان الديموقراطي التوافقي، ورد الرئيس بري التحية باعلانه اقفال مجلس النواب اذا غاب نواب “المستقبل” عن جلساته.
لكن المشكلة الحقيقية تبرز في عدم احترام الميثاقية في التعامل مع المسيحيين. ففي العام 1992 مضى مجلس النواب بمشاركة تقل عن 12 في المئة من المسيحيين، والاتفاق الرباعي قبيل انتخابات 2005 حاول المضي في السياسة نفسها، واليوم لا يُسأل المسيحيون، وقيادتهم الدينية التي تضطلع بدور بارز في الشأن السياسي، عن رأيهم في قانون الانتخاب، أو في مرشحهم للرئاسة، بل يعلن “حزب الله” في كل يوم انه متمسك بمرشحه العماد ميشال عون، في مقابل ابداء قوى 14 آذار استعدادها للتخلي عن ترشيح الدكتور سمير جعجع، لتشجيع التفاهم على مرشح ثالث توافقي يكون مقبولاً لدى الجميع.
عام 2008، غزا مناصرو الحزب، وبدفع منه، شوارع بيروت، عندما قرر مجلس الوزراء تبديل مسؤول امني شيعي في المطار، وضبط حركة الاتصالات في مؤسسات الدولة، من دون دولة ضمن الدولة، فكانت احداث 7 ايار 2008، لترسم واقعاً جديداً مفروضاً بسطوة السلاح. واليوم يكثر الحديث عن تطور امني يمكن ان يدفع في اتجاه التعجيل في الاستحقاق، والمضي به في اتجاه محدد، وقد تغض دول النظر اذا كانت تريد تحريك المياه الراكدة في الملف الرئاسي اللبناني، أو ربما تتواطأ دول غربية مع ايران اذا كانت طهران تريد الامساك بالملف في مقابل تنازلات في مكان آخر.
باختصار، يرغب “حزب الله” في ان يسمي رئيساً مقاوماً، واذا لم يسمه مباشرة فهو يحدد صفاته ومواصفاته التي قد لا تنطبق إلا على مرشح واحد أو اثنين، وهي رغبة داخلية، تؤازرها ارادة سورية تطمح الى استمرار الوصاية، ومباركة ايرانية. فهل يكون الكلام على احترام الآخر وخصوصيته، وارادة العيش معاً، مجرد كلام أم له ما يترجمه فعلا بالافساح في المجال لبكركي لتضطلع بدور حقيقي في هذا المجال، والتخلي عن تشجيع سياسة الاستقواء المستندة الى قوة الحزب؟!