قال الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله الكثير أول من أمس، ما يجعل المراقبين يعتبرون خطابه حمّال أوجه، في انتظار أن تتضح في كلمته اليوم توجهاته وتوجهات محور المقاومة وبالتالي توجهات إيران، على رغم إسهابه في الحديث عن استقلالية قرارات حركات المقاومة في سائر الميادين عن طهران بتشديده على أن هذه الحركات «ليست تابعة وأدوات…»، وأن استقلاليتها هي من «إبداعات» قاسم سليماني، و»ما تقوم به حركات محور المقاومة هو قرارات ذاتية منطلقة من قناعاتها ومن ارادتها وإيمانها». وهو ذهب إلى حد اعتبار ذلك «نموذجاً فريداً في تاريخ البشرية وليس فقط في العصر الحاضر».
بينما يمكن لخصوم «الحزب» أن يصنفوا حرص سليماني على أن يكون لحركات المقاومة «اكتفاء ذاتي»- والمقصود توفير الإمكانيات المادية والتسليحية لها – على أنه توفير على إيران استنزافها عبر مواصلتها تقديم هذه الأنواع من الدعم لهذه الحركات لا سيما في ظل الضائقة المالية والاقتصادية الإيرانية جراء العقوبات الأميركية والغربية عليها، فإنّ هؤلاء الخصوم لا يغيب عن بالهم قول نصر الله قبل سنوات في لحظة مساجلة مع الآخرين إنّ رواتب ولباس وأسلحة و… هي من الجمهورية الإسلامية في إيران. ويمكن التذكير في هذا السياق أنّ أحد شعارات الحركات الاحتجاجية الإيرانية الداخلية منذ انتفاضة 2009 وصولاً إلى انتفاضة «الحجاب» في 2022، على تدهورالأوضاع الاقتصادية، كان المطالبة بوقف هدر أموال المكلف الإيراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن… بدل إنفاقها على التنمية في إيران.
بل بإمكان هؤلاء الخصوم أن ينظروا إلى الحرص الإيراني على «الاكتفاء الذاتي» لحركات المقاومة على أنه إحدى وسائل الالتفاف على العقوبات عبر إنشاء الحلفاء في كل دولة استثمارات «مدنية» تسهّل حركة الأموال من وإلى طهران. كما بإمكان الخصوم أن يعتبروا أنّ هذا «الاكتفاء الذاتي» هو المرادف لتمكين هذه الحركات من أن تتمتع بالاستقلالية عن أجهزة الدولة التي تعمل على أرضها فتستقوي عليها، ما يسميه هؤلاء «الدولة ضمن الدولة» أو الانقلاب عليها…
بصرف النظر عن هذه الحجج السجالية، فإنّ بعض ما قاله الأمين العام للحزب يشير إلى أنه يتهيب الرد الانتقامي المفترض أن يقوم به بعد استباحة إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الشيخ صالح العاروري ورفاقه الستة. فهو كان وعد في خطاب له في آب الماضي بأنّ أي اغتيال لأي فلسطيني أو سوري أو إيراني أو من جنسية أخرى ينتمي إلى حركات المقاومة، على الأراضي اللبنانية سيلقى الرد المناسب. ومع أنه أوضح في كلمته الأربعاء أنّ «المقاومة وعدت (بالرد)، وإن كانت في ظروف مختلفة ولم تكن هناك حرب وتغيير في كثير من معادلات الصراع»، استدرك بالقول: «لكن هذا لن يغيّر من الوعد شيئاً».
في حديثه عن فتح جبهة الجنوب لنصرة غزة وإشغال الجيش الإسرائيلي، وفي معرض شرحه لتضحيات «الحزب» على الجبهة الجنوبية اللبنانية منذ 8 تشرين الأول الماضي، غداة بدء جيش العدو حملته العسكرية الهمجية على غزة، شدد نصر الله على أنّ «قرارنا واءَمَ ما بين الرؤية الاستراتيجية والحاجة إلى مساندة غزة ومُراعاة المصالح الوطنية اللبنانية. بالنهاية نحن نعيش في بلد فيه صعوبات وفيه تعقيدات وفيه ظروف وتحدّيات، واءمنا بين هذا كلّه وذهبنا إلى هذه الصيغة من القتال وهو قتال فعّال جداً وقوي جداً وكبير جداً».
كيف سيلائم «الحزب» بين وعده بالرد على اغتيال العاروري ورفاقه، وبين الوضع الصعب والتحديات التي ذكر أن البلد يمر بها؟ وهل «يكتفي ذاتياً» بأن ترد فصائل المحور الذي ينتمي إليه، و»حماس» المعنية الأولى فيه، من جبهات أخرى؟ وهل سيختار الحزب جبهة سوريا مثلاً إذا كان سيتولى الرد فيحفظ صيغة المعارك المنضبطة آخذاً في الاعتبار عدم الرغبة الداخلية والخارجية بتوسيع الحرب؟ أم ينزلق خلافاً لـ»مراعاة المصالح الوطنية»، إلى توفير الحجة التي تبحث عنها إسرائيل، لتخوض قيادتها المتخبطة، حرباً يتعطش إليها حكام تل أبيب؟