يعيش الجنوب اللبناني استقراراً هشّاً تخرقه بعض المناوشات التي ترتفع وتيرتها، ولا يستطيع أحد التنبّؤ بالمدى الذي تصله معارك غزة. ويبقى الوضع في الجنوب مقبولاً إذا اقتصر على بعض الاشتباكات، لكنّ دخول العامل الفلسطيني قد يوتّر الأجواء وسط تحميل إسرائيل «حزب الله» المسؤولية عن أي عمل على الخط الحدودي وتهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس بحرب مدمّرة على لبنان و»الحزب»، لا يتخيلها أحد إذا قرّر «حزب الله» فتح المعركة.
على وقع هتافات «يا سيّد يلاّ كرمال الله»، ترتفع أصوات بعض الشبان المتحمّسين الذين يدعون الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله إلى فتح الجبهة ومساندة حركة «حماس» وربما «رمي إسرائيل في البحر». والواقع مغاير تماماً لبعض التمنيات، ويعمل «حزب الله» حالياً وفق قاعدة ميزان الجوهرجي، فهو لم يفتح جبهة الجنوب بالكامل، لكن في الوقت ذاته يقوم ببعض الأعمال العسكرية ليقول أنا هنا، في «سيناريو» يُذكّر حتى الساعة بالعمليات التي قام بها «الحزب» بين عامَي 2000 و2006 تحت عنوان «أعمال تذكيرية».
يقع «حزب الله» في ورطة كبيرة ومعه كل دول ومجموعات محور الممانعة، فالسيّد نصرالله سواء فتح الجبهة أو لم يفتحها سيكون محرجاً. فإذا لم يفتح الجبهة ويشنّ هجمات تؤلم تل أبيب، ستسقط نظرية وحدة الساحات ووحدة المسار والمصير بين حركات الممانعة. فلا يوجد أكثر من هذا الظرف لهزيمة إسرائيل كما كان يُهدّد دائماً. الدولة العبرية تلقّت أقسى ضربة منذ نشوئها، الجيش في حال صدمة، الإستخبارات فشلت فشلاً ذريعاً، الشعب الإسرائيلي مذهول مما حصل، و»حماس» فتحت باب الإنتصار حتى لو تلقّت المزيد من الضربات.
ولا يوجد ظرف أفضل من هذا الظرف أيضاً لتطبيق الشعارات التي قامت عليها الثورة الإسلامية في إيران وصدّرتها إلى لبنان عبر «حزب الله». وبالنسبة إلى النظام السوري، فالجيش السوري يدكّ المدن السورية بوابل من البراميل المتفجرة والصواريخ، ويستطيع أن يُدير مدافعه وصواريخه نحو الجولان لتحريره، وإذا كان الخوف سابقاً من تدمير سوريا جراء أي حرب مع إسرائيل، فسوريا مدمّرة ولا شيء يدعو إلى الأسف.
ومن جهة ثانية، هل هناك قضية مقدّسة أكثر من قضية القدس وفلسطين لإعطاء إشارة لمقاتلي «حزب الله» لكي يتحرّكوا؟
هذا في حال قرّر «حزب الله» البقاء على الأعمال العسكرية المحدودة، أما إذا شارك في الحرب، فسيكون أكثر إحراجاً وتلقياً للسهام، ويُتّهم بدايةً بخطف قرار السلم والحرب من يد الدولة اللبنانية، ويفتح جبهة لبنان ويشارك في حرب غير معني فيها وستجلب الدمار، لأن إسرائيل تعتمد سياسة الأرض المحروقة، ويظهر كأنه ينفّذ سياسة إيران على أرض لبنان ويضرب مصالح اللبنانيين.
أما الأخطر فهي الظروف، فظروف أي حرب اليوم مغايرة تماماً لحرب «تموز» وقتها كانت الدولة موجودة والمستشفيات تعمل بكل طاقتها، ولم يكن هناك فرز داخل الوطن الواحد، ولم يكن هناك إنهيار إقتصادي وأزمة نازحين، وبالتالي فاتورة الحرب ستكون باهظة ولبنان غير قادر على تسديدها وسط انعدام الدعم العربي للبنان.
وانطلاقاً من كل هذه المعطيات، يحاول «حزب الله» أن يحسبها صح، فإقدامه على خطوة متهوّرة سيجلب المآسي للّبنانيين وسط امتعاض داخلي عارم من سياساته وغياب التضامن معه، وبالتالي تُجرى الإتصالات مع «الحزب» وأركان الدولة لتجنيب البلد حرباً دموية مدمّرة يعرف الجميع كيف تبدأ ولا يعرف أحد كيف تنتهي، وربما تُشكّل ضربة قاضية للكيان اللبناني المهتز.