حزب الله» يعطِّل بقرار إيراني كل الطروحات الوسطية لانتخاب رئيس يُرضي كل الأطراف
الوضع اللبناني رهينة بيد إيران للمقايضة عليه في التسوية المُنتظرة للأزمة السورية
كل ما يحصل هو بمثابة إقتناع غير مُعلن بين كل الأطراف لتقطيع الوقت الضائع واستمرار التواصل
كشف مصدر سياسي بارز أن كل المحاولات المحلية والتحركات الإقليمية والدولية لانتخاب رئيس للجمهورية طوال الأشهر الماضية اصطدمت بجدار سميك من الرفض والمماطلة من جانب «حزب الله» وحليفه «التيار العوني» تحت حجج وذرائع مختلفة وغير مُقنعة ومحاولات مكشوفة للتهرّب من مسؤوليتهما المباشرة في تعطيل هذا الاستحقاق الدستوري المهمّ وسعيهما الدؤوب لرمي كرة التعطيل في ملعب خصومهما السياسيين وتحديداً «تيار المستقبل» وتحالف قوى 14 آذار خلافاً للواقع والحقيقة، الأمر الذي أدّى إلى إطالة أمد الشغور الرئاسي أكثر ممّا كان متوقعاً وإلى إدخال لبنان في حال من الفراغ السلطوي إنعكست سلباً على أداء سائر مؤسسات الدولة وإداراتها الرسمية وتراجع قدراتها في القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها وتأمين حاجات ومطالب المواطنين الضرورية.
ويُشير المصدر السياسي إلى أن كل الأفكار والصيغ التي كانت تُعرض كحل وسط للخروج من مأزق الانتخابات الرئاسية على أساس أنها تُرضي كل الأطراف دون استثناء ويمكن البناء عليها، كانت تواجه بالرفض الفوري حتى من دون مناقشتها أو طرح تعديلات أو إبداء ملاحظات معقولة للخروج بحلّ توافقي يرضى عنه الجميع، وهو ما يؤشر إلى نوايا مبيّتة سلفاً لإبقاء لبنان من دون رئيس جديد للجمهورية في هذه المرحلة ولو كان العنوان الظاهري هو التمسّك بوصول النائب ميشال عون لهذا المنصب، إلا أن ما كشفت عنه النقاشات والمداولات المتواصلة بهذا الخصوص أظهرت بوضوح أن مسألة تعطيل الإنتخابات الرئاسية تتعدّى هذا العنوان إلى أبعد من ذلك بكثير خلافاً لما يعتقد البعض وأصبحت من دون شك لها علاقة مباشرة بالصراع الإقليمي الدائر بين الدول العربية وإيران في المنطقة العربية وخصوصاً الحرب الدائرة في سوريا والسعي قدر الإمكان لدى الحزب وحليفه «التيار العوني» الإستقواء بمجريات هذه الحرب التي يُشارك فيها «حزب الله» بقدّه وقديده إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد ضد شعبه الثائر ضده، لتوظيف ما يدعونه بالإنتصارات الوهمية هناك على أمل توظيفها بقلب موازين القوى السياسية لصالحهما بالداخل اللبناني، إن كان بإيصال الشخصية التي تدور في فلك النظام الإيراني بالكامل وتوفّر الغطاء الشرعي لاستمرار تفلّت سلاح الحزب من أية ضوابط ورقابة رسمية أو لإجراء تعديلات دستورية تؤسّس لنظام لبناني جديد مغاير لاتفاق الطائف كثر الحديث عن بعض مواصفاته علناً في مناسبات كثيرة كالمثالثة وما شابه.
وتوقع المصدر السياسي ان تطول أزمة الاستحقاق الرئاسي لأشهر إضافية بعد التدخل العسكري الروسي في الحرب الدائرة بسوريا وامعان «حزب الله» بالرهان مجدداً على هذا التدخل إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين على أمل ان يؤدي هذا التطور إلى تبدل في موازين القوى السياسية والعسكرية على الساحة السورية لصالحه وصالح حليفه «التيار العوني» بالداخل اللبناني في ما بعد لفرض شروط ومواصفات رئيس الجمهورية المقبل كما يريدونها حسبما أعلن عن ذلك الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بوضوح عشية الكشف عن التدخل العسكري الروسي في حين ان مجريات هذا التدخل والحركة الدبلوماسية المكوكية التي تواكبه تؤشر إلى تعقيدات إضافية تسبب بها في الحرب الدائرة بسوريا وإلى إعادة خلط أوراق لا يمكن التكهن بنتائجها وانعكاساتها على الأوضاع في لبنان منذ الآن بعدما ظهرت مؤشرات اولية عن محاولات وجهود واجتماعات لوضع أسس لحل الأزمة السورية على نار الحرب والغارات الروسية الدائرة على أمل الخروج بتفاهمات معقولة تؤسس لإنهاء الحرب الدائرة هناك وتمهد الطريق لحل سياسي يُحكى عنه بالرغم من تعدد الطروحات المتداولة للاتفاق على الصيغة المقبولة من الدول المعنية بالوضع السوري برمته واستناداً للمداولات التي حصلت أخيراً في مؤتمر «فيينا» الذي شاركت فيه الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية وبغياب ملحوظ لإيران الدولة المشاركة بفاعلية بقوات الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المذهبية التي تدور في فلكها بالحرب إلى جانب نظام الأسد، وهو ما يؤشر إلى ان الاستقواء بنتائج الحرب الدائرة في سوريا بالداخل اللبناني قد لا تكون مطابقاً لتوقعات «حزب الله» وحلفائه في ضوء حركة الميدان التي لم تتبدل جذرياً منذ التدخل الروسي أو في ضوء الحركة الدبلوماسية التي استبعدت إيران من اجتماعاتها ومداولاتها والتي تعطي موسكو دوراً أكبر إذا نجحت في محاولاتها الدؤوبة كوضع أسس اتفاق سياسي لإنهاء الحرب السورية.
ومن وجهة نظر السياسي البارز فإن التعطيل المتعمد لانتخابات رئاسة الجمهورية من قبل «حزب الله» و«التيار العوني» ومحاولة الاستقواء بمشاركة الحزب بالحرب الدائرة بسوريا إلى جانب نظام الأسد، ليس لفرض واقع سياسي جديد بالقوة على الساحة اللبنانية فقط وإنما لإبقاء هذا التعطيل ورقة في يد إيران التي ترعى وتدعم وتوجه الحزب وحلفاءه للامساك بالوضع اللبناني وابقائه رهينة لديها والضغط من خلاله للمساومة على وضعية الرئيس السوري بشار الاسد ونظامه المتهالك والحفاظ على مصالحها في سوريا بعدما بدأ البحث جدياً بين الدول المؤثرة والمعنية بالمنطقة والعالم في البحث عن الصيغة الملائمة لإخراجه من السلطة وتأليف حكومة انتقالية تتولى مقاليد السلطة وتؤسس لسوريا الجديدة، لأن جميع هذه الدول أصبحت تدرك ان هناك استحالة لوقف الحرب الدائرة بسوريا وحل الأزمة السائدة هناك مع استمراره في سدة الرئاسة بوضعيته الحالية وبصلاحياته القائمة بالرغم من استمرار الخلافات حول طول المدة المطلوبة لبقائه رمزياً في سدة الرئاسة.
ويستبعد السياسي البارز إمكانية تحقيق أي اختراق مهم على طاولة الحوار في مسألة انتخابات الرئاسة أو في المداولات الجارية وكل ما يحصل هو بمثابة اقتناع غير معلن بين كل الأطراف لتقطيع الوقت الضائع واستمرار التواصل في ما بينها لحين جلاء مصير الحرب الدائرة بسوريا، وحتى ذلك الحين لن يقتصر التعطيل على انتخابات الرئاسة بل سيشمل المجلس النيابي والحكومة مع بعض الاختراقات المحدودة، في حين ستبقى المسائل والمواضيع الخلافية كقانون الانتخابات وغيرها معلقة في الوقت الحاضر، وسيبقى اللبنانيون يعانون جراء الربط المفروض عليهم بمصير الحرب السورية ونتائجها وتداعياتها.