تركت الوقائع العسكرية في سوريا خلال الأسابيع الماضية ارتياحاً شديداً لدى «حزب الله» الذي ينظر إلى التطورات الجارية بأنها تأتي في سياق تأكيد الخيارات التي انتهجها الحزب وكانت صحيحة، على المستويين الداخلي والخارجي، وانها ساهمت في حماية لبنان من مخاطر عديدة. وهذا ما يدفع الحزب إلى الاستمرار في سياساته ومواقفه «من اجل الدفاع عن المظلومين والمضطهدين في المنطقة»، على اعتبار ان هذه السياسات لا تتعارض ابدا مع الخيار الاساسي للحزب على صعيد مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، بل ان هذه المواقف تأتي في صلب رؤية الحزب ومواقفه.
لا تؤثر هذه التطورات الإيجابية بالنسبة للحزب على قراءته وثوابته ومشروعه في لبنان. لم يستثمر «حزب الله» في ما مضى انتصاراته في أي شأن لبناني داخلي، ولذلك هو يتمسك اليوم وغداً، في حال التوصل الى تسويات داخلية وخارجية، بخياره الثابت الذي يهدف إلى قيام دولة عادلة وقوية وتطبيق اتفاق الطائف بشكل كامل. فالحزب يرى أنه اذا تم تطبيق الطائف بشكل كامل يتحقق اصلاح كبير في النظام السياسي اللبناني، وهذا ما يسعى اليه اليوم، وهذا ما يعني بالتالي عدم وجود ضرورة حاليا لا الى مؤتمر تأسيسي ولا الى مؤتمرات جديدة لاقامة نظام سياسي جديد في لبنان.
في قناعة «حزب الله» أن القرار الروسي بسحب قسم من القوات الروسية من سوريا، لم يؤثر على سياق الاوضاع في سوريا والدليل على ذلك معركة تحرير تدمر والمنطقة المجاورة، مع التشديد على أن العلاقات بين دول «المحور الممانع» قوية ومستمرة وهناك تنسيق وتعاون على مستوى كل الترتيبات العملية.
تنسحب هذه القناعة على قراءة التأثيرات الإيجابية لما جرى في الاشهر الستة الماضية من تطورات ميدانية على صعيد المفاوضات السياسية، وأن ذلك يشكل حافزاً لأن تستمر العملية السياسية في الاشهر المقبلة، لكن الوصول الى حلول سياسية كاملة يحتاج الى المزيد من الجهود من قبل القوى الدولية والإقليمية، ولا سيما في ظل وجود اطراف في المنطقة تحاول منع التوصل لمثل هذه الحلول.
يعتقد كثر ان العام 2016 هو عام التسويات السياسية في المنطقة وان الجهود الدولية والاقليمية ستتكثف للوصول الى حلول سياسية لمختلف الملفات الساخنة. على ان ذلك لا يعني الوصول الى حلول نهائية لان ذلك مرتبط ايضا بالتطورات الميدانية في كل بلد وبدور القوى الاقليمية والدولية، وان كانت المعركة ضد تنظيم «داعش» والمجموعات الارهابية وملف اللاجئين السوريين الى اوروبا، سيساعدان في توحيد الجهود الدولية والاقليمية من اجل التخفيف من اجواء التوترات القائمة.
الواضح أن ملفاً آخر هو قيد المتابعة في «حزب الله» ويتعلق بمواجهة «السياسات الظالمة» للسعودية والتي يبدو أنها ستستمر بكل الوسائل السياسية والإعلامية. فالحزب يعتقد ان القرارات السعودية والخليجية الاخيرة ضد «حزب الله» كانت بسبب الخسائر الكبرى التي واجهتها السعودية في مختلف الجبهات والدور الكبير للحزب في مواجهة المشروع السعودي. لكن هذه القرارات، رغم انعكاساتها السلبية في بعض المجالات، ستفقد زخمها يوما بعد يوم بسبب اعتراض العديد من الدول العربية والاسلامية عليها وانتشار التعاطف الشعبي والحزبي في العديد من الاوساط العربية والاسلامية مع «حزب الله».
كل هذه التطورات لا تشغل الحزب عن مواصلة العلاقة الجيدة مع مختلف الاطراف والقوى الاسلامية والمقاومة في العالم العربي والإسلامي والسعي المستمر لدى قيادة الحزب لتوسيع دائرة التحالفات في الاتجاهات كافة، بالرغم من «خيبة أمل» من مواقف «بعض هذه الاطراف» التي لم تدافع عن المقاومة وتقف بوجه الظلم الذي تعرضت له مؤخرا.