IMLebanon

«حزب الله» لا يقصّر مع «دولته».. في القصير

ما زالت مفاعيل الاستعراض العسكري الذي أقامه «حزب الله» في «القصير»، تُثير جدلاً واسعاً في الأروقة السياسية وتتصدّر قائمة الأحداث في لبنان والخارج، خصوصاً بعد دخول الولايات المتحدة الأميركية على خط التساؤلات حول الجهة التي أمدّت الحزب بنوع مُحدد من الآليات العسكرية التي جرى استعراضها، مبدية تخوّفها من أن تكون من مخزون الجيش الذي ساهمت أميركا إلى حد كبير بتسليحه.

هذا في الشق السياسي المُتداول، أمّا في الشق المعنوي، فمما لا شك فيه أن الاستعراض بحد ذاته، شكّل إلى حد كبير، مُفاجأة سواء بالنسبة الى الدولة اللبنانية والدول القريبة والبعيدة، خصوصاً أن الحزب أراد من خلاله إظهار نفسه كلاعب إقليمي وتكريس نفسه كطرف أساسي في الصراع الدائر في سوريا، يحق له الجلوس إلى طاولة المفاوضات لاحقاً وحتّى قبول أو رفض أي من الحلول التي ستُطرح من أجل إنهاء الصراع السوري. ورسالة الحزب الأبرز في هذا المجال، هي أنه أصبح جيشاً مُنظّماً يحق له القيام بعمليات استباقية خارج أرضه درءاً للمخاطر التي يُمكن أن تتهدده، بحسب اعتقاده.

الجيش أوضح في بيان على موقعه الإلكترونى، أن «صور الآليات العسكرية التي يتم تناقلها عبر وسائل الإعلام ليست من مخزونه وغير عائدة له«. المصلحة الوطنية لم تكن ضمن حسابات «حزب الله» لا قبل ولا بعد استعراضه العسكري، وهذا أمر اعتاد عليه اللبنانيون منذ زمن طويل، حتّى أنه لم يُكلّف نفسه، عناء إصدار بيان توضيحي، يُظهر كيفية حصوله على العتاد الذي استعرضه في «القصير». حتّى نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، تعاطى مع الموضوع باستخفاف واضح من خلال قوله «نحن موجودون في سوريا ولا نحتاج لتفسير أو تبرير، ونحن الى جانب الجيش السوري والدولة السورية، ولولا تدخلنا في سوريا لدخل الإرهابيون الى كل المناطق اللبنانية، وموضوع تدخلنا في سوريا لم يعد موضوع نقاش حالياً بين الأوساط اللبنانية«.

أراد قاسم أن يحسم موضوع التدخل في الصراع السوري تمهيداً لسحبه من التداول في وقت لاحق، والانزلاق الأكبر في الحرب السورية، سوف يتظهّر بشكل أكبر وأوسع خلال معركة حلب المُرتقبة والتي بدأ الحزب يستعد لها بكل عديده وعتاده، حتّى أنه منذ أسبوع تقريباً، راح يلوّح بين جمهوره ببشائر «النصر» المُرتقب من دون أن يُحصي كميّة الخسائر التي سوف تنتج عن هذه الحرب، طالما أن قاعدته السياسية والأساسية تقول «مستعدون لخسارة ثلثي الطائفة الشيعية، في سبيل أن يَحيا الثلث المُتبقّي بشرف وكرامة».

إلى جانب التهويل على اللبنانيين بأنه لولا «حزب الله» لكان دخل «التكفيريون» إلى لبنان، استعاد قاسم أمس الأوّل اللغة ذاتها، لكن هذه المرّة من باب التهويل من الداخل. يقول قاسم «إن المقاومة لا تريد استثمار قوتها العسكرية في الصراع الداخلي اللبناني، وبالرغم من قوتها، فنحن نشارك في العمل السياسي والانتخابي مثل بقية الأطراف فنربح أو نخسر«. ربما أصبح على اللبناني أن ينام مُطمئناً بعد اليوم، كون من أشعل لبنان ذات أيّار، سوف لن يعيد الكرّة ثانية بعدما خرج من المصالح الضيّقة، إلى رحاب المفاوضات الإقليمية. لكن قاسم تناسى بكل تأكيد، أنه في اللحظة التي كان يُدلي فيها بحديثه هذا، كان «حزب الله» يُشيّع العديد من عناصره الذين سقطوا في حلب قبل أن تبدأ المعركة الفعلية و»المفصلية».

من خلال متابعة متأنية لبداية انطلاقة «حزب الله» في بداية الثمانينات، يُلاحظ أن الفكرة من أساسها قامت على مبدأ خلق قوة توازي تلك التي كانت قائمة في الشطر الشرقي للعاصمة بيروت في زمن الحرب اللبنانية، لكن سرعان ما تطورت لتُصبح في مواجهة مع المشروع الإسرائيلي الذي كان يعتمد على ما كان يُسمّى بجيش أنطوان لحد قبل أن تتحوّل إلى مواجهة مُباشرة مع الإسرائيلي. أمّا اليوم، فقد تخطّى الحزب هذه المُعادلة ليُصبح في مصاف اللاعبين الإقليميين في المنطقة وذلك من خلال الحرب الكبيرة التي يخوضها اليوم في سوريا والتي استطاع من خلالها «قلب الميمنة على الميسرة» بحسب نائب في الحزب والذي أراد التلويح بأن بشّار الأسد كان في فترة ما، يتحضّر لمغادرة سوريا لكن الحزب أعاد تثبيته ومكّنه من استعادة دوره.

تطوّر «حزب الله»، يعود ويؤكده قاسم عندما يُشير إلى أن «التنسيق بيننا وبين القيادة السورية عالٍ جداً والاستعراض العسكري جزء من الممارسة الميدانية. لقد أصبح لدينا جيش مدرب ولم تعد المقاومة تعتمد على أسلوب حرب العصابات، وأصبحنا أكثر تسلحاً وتدريباً وامتلكنا خبرات متطورة«. ثم يعود إلى الوضع الداخلي بقوله: «كل ذلك من أجل حماية لبنان ولمصلحة لبنان«.

نُقل عن الشيخ قاسم أنه وخلال تطرقه إلى الاستعراض العسكري في «القصير» خلال لقاء في مركز إسلامي، لفت إلى أنه «أصبح لدينا جيش مدرب ولم تعد المقاومة تعتمد على أسلوب حرب العصابات«، إلا أن مكتب العلاقات الإعلامية في حزب الله أوضح أمس، أن قاسم قال بأن «حزب الله بات أكبر من مقاومة وأقل من جيش» وليس «جيشاً مدرباً«. لكن لا القول ولا التبرير هما ما ينتظره الشعبان اللبناني والسوري، بل المُنتظر تطمينات يُمكن أن تُزيل هواجس الاستعراض والرسائل التي أراد الحزب توجيهها. في لبنان، الشعب معني باستقراره وضنين به أكثر من أي جهة سواء داخلية أو خارجية خصوصاً أن أي تكلفة، سوف تكون على حسابه هو. أمّا في سوريا، فهناك شعب مُشرّد منذ خمسة أعوام، وجل ما يريده، هو أن يعرف ما إذا كان سيعود يوماً إلى دياره، أم أنه سيبقى عالقاً على حدود الغربة المُمتدة التي يرسمها «حزب الله».

في الأفق البعيد القريب، يتبيّن أن الحزب الذي استطاع تطويع نسبة لا يُستهان بها من الطائفة الشيعية في لبنان بدعم وتمويل وتسليح إيراني، وتحوّله أخيراً من منظمة حزبية مصنّفة «إرهابية» بحسب العديد من الدول إلى جيش نظامي يمتلك ترسانة عسكرية لا يُستهان بها، كما ظهر من خلال استعراض «القصير»، يبدو أنه ذاهب باتجاه بناء دولته الخاصة على أرض سيتم اقتطاعها من الجانبين السوري واللبناني، لأن من انفرد بحرب تدميرية ضد إسرائيل في العام 2006 ومن اجتاح مناطق داخلية في العام 2008 بحجّة حماية السلاح، ومن ذهب إلى حرب استنزاف في سوريا بقرار آحادي العام2011، لن تثُنيه كل الاعتبارات عن تحقيق كامل المشروع الذي قام على أساسه يوم التأسيس. ويتأكد ذلك من خلال أحاديث متعددة يتداولها قادة الحزب في مجالسهم منها: «من يظن أننا دفعنا كل هذه الدماء للخروج من سوريا كما دخلناها، فهو واهم ومُشتبه».