قبل ساعات من «ولادة» الحكومة، بدات المنظومة الاعلامية والسياسية المحسوبة على تيار المستقبل بضخ معلومات تتصل برغبة حزب الله بتعديل قواعد التفاهمات بعد سقوط مدينة حلب، كلام كثير قيل حول نوايا مبيتة لاحراج الرئيس سعد الحريري لاخراجه، فجاءت وقائع الساعات الماضية لتؤكد عدم صحة تلك الاستنتاجات؟ وتبين ان ما بعد حلب ليس غير ما قبلها بالنسبة الى حزب الله؟ وتبين ايضا ان الاتهامات مجرد «تعمية» عن الاسباب الحقيقية الكامنة وراء التاخر في «ابصار» الحكومة «النور»؟
ما بعد حلب ليس كما قبله، «معادلة» في سوريا، وليس على الساحة اللبنانية، تقول اوساط بارزة في 8 آذار، لان اختلال موازين القوى في الحرب السورية لصالح محور المقاومة سبق وانتج الصيغة السياسية الراهنة بانتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا وتكليف الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة، ولا حاجة لاي «تعديلات»، مسالة سقوط مدينة حلب كانت امرا واقعا يحتاج فقط الى الوقت،هذا ما كانت قيادة حزب الله تدركه جيدا منذ ان اتخذ القرار بتحرير المدينة، واقتنعت موسكو بوجهة نظر دمشق وطهران وحارة حريك، بان «الجائزة الكبرى» ستكون الشهباء، وليس دير الزور، والسخنة، والرقة، منذ ذلك الوقت وحلب كانت قاب قوسين او ادنى من السقوط، وزادت القناعة بذلك التفاهمات الروسية – التركية حول شمال سوريا، كل هذه المعطيات المبنية على وقائع ميدانية تنقل كل ساعة ودقيقة من الجبهة الى قيادة الحزب كانت تحمل بشائر الانتصار القريب في اكثر المدن استراتيجية في الجغرافيا السورية..اذا لم يكن حزب الله يحتاج الى الانتظار كي يدرك ان موازين القوى ستختل لصالحه، بني التفاهم الداخلي وفقا لهذه القواعد، ولا تحتاج اليوم الى اي تعديل، لان شيئا لم يتغير منذ التوصل الى التسوية الرئاسية…
ووفقا لتلك الاوساط، فان تيار المستقبل سلم بخسارة خياراته السورية منذ اليوم الاول لقبوله التنازل عن موقفه الممانع لانتخاب عون رئيسا، هو يدرك ان رئيس الحكومة المكلف ليس في احسن احواله محليا، واقليميا، ودوليا، فضلا عن ضعفه الشخصي بعد سلسلة الاخفاقـات الاقتصادية المتتالية، لم يكن «سقوطه» مرتبطا بسقوط مدينة حلب، او اي مدينة سورية اخرى، دوره العملي انتهى وراء الحدود الشرقية منذ مدة طويـلة، لم يكن الامر اراديا، فرضت الوقائع الميدانية ذلـك، لعب حزب الله دورا كبيرا في اخراج فريقه السياسي – الامني الذي تم بناءه باشراف سعودي مبـاشر من المعادلة، الوضع الدولي تغير، لم تعد واشنطن ومعها الدول الاوروبية فاعلة في الميدان السوري، ولم تعد الساحة اللبنانية مفيدة في عملية التوظيف السياسي والامني، خسر تيار المستقبل الحاضنة الغربية التي كانت قوة دفع رئيسية «لثورة الارز» التي سبق ونعاها الجميع، السعودية غارقة حتى «اذنيها» في «مستنقع» اليمن، وتتحضر لعلاقة صعبة للغاية مع الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، لم تـعد المملكة تملك اي من عناصر القوة السابقة التي تخولها تفعيل «الجبهة اللبنانية» لمواجهة حزب الله، عندما قررت الانسحاب من «الحلبة» اللبنانية لم تكن تنتظر سقوط حلب من عدمه، مناطـق نفوذها السورية سبق وانهارت قبل مدة، وحده «الـلاعب» التركي – والقطري موجود بفعالية في الشـمال السوري، سقوط حلب لن يضيف الكثير على الانهيار الكامل للرهانات السعودية ومعها «اوهـام» تـيار المستقبل…هذا كله سابق للتحول الاستراتيجـي فـي الحرب السورية، وسابق ايضا للتفاهم الذي ادى الـى انهاء الفراغ الرئاسي.. فلماذا حشرت حلب وما بعدها في الازمة الحكومية اصلا؟
البعض في فريق رئيس الحكومة المكلف اراد «تكبير الحجر» للهروب من الاستحقاقات الداهمة، وفي مقدمها قانون الانتخاب، عندما حاول التيار الوطني الحر فصل مسار التاليف عن ملف القانون الانتخابي، شعر هذا الفريق ان الامور بدات تفلت من يديه، كان «يمني النفس» باستمرار هذا الربط الذي يريحه من «كاس» النسبية المر، لكنه فوجىء ايضا بحملة سياسية منسقة بين حزب الله وحركة امل انطلقت تحت شعار «النسبية هي الممر الالزامي لقيام الدولة العادلة القادرة»، وهي مؤشرات مقلقة للتيار «الازرق» الذي يستمر في «المناورة» للالتفاف على اي احتمال جدي يخوض من خلاله الانتخابات المقبلة بقانون يزيده ضعفا على المستوى الشعبي، وهنا «بيت القصيد» ولا ابعاد استراتيجية او تحولات اقليمية، انها مسالة حسابات داخلية تم رسم سقوفها الخارجية مسبقا وفق معادلة واضحة تقوم على خسارة فريق لخياراته وانتصار الفريق الاخر الذي ارتضى ان لا تكون هزيمة الطرف الاخر بالضربة القاضية، وذلك لاسباب وطنية واقعية وحتى «مصلحية» لانها تحمي الاستقرار الداخلي الذي يصب في مصلحة المقاومة والفريق السياسي الذي اوصل رئيسه الى قصر بعبدا ويريد لخياره ان ينجح في الحكم…
وبكلام آخر، تشير تلك الاوساط، الى ان حزب الله لم يطمح ولا يريد «كسر» تيار المستقبل ولم يعمل لاخراجه من المعادلة السياسية في البلاد، تجارب الماضي لم تكن ناجحة، ولكنها كانت ضرورية في لحظة تاريخية ومفصلية من الصراع، الحوار الثنائي المستمر بين الطرفين اوجد معادلة استقرار مقبولة في البلاد مقارنة «بالحريق» في المنطقة، وجود الرئيس الحريري بضعفه الراهن في السلطة لا يضر حزب الله بل يفيده، «تواضع» طموحات تيار المستقبل المبنية على وقائع وحسابات محلية وخارجية لا تثير «نقزة» الحزب المعني اكثر من غيره في ايجاد هذا «التوازن» الشكلي في السلطة لانه لا نية لديه لالغاء احد، ولم يكن لديه هذا الطموح في يوم من الايام، وانما حسابات الاخرين الخاطئة، ومحاولاتهم السابقة «للتآمر» على المقاومة لاضعافها وحتى «سحقها» املت تحرك معينا لاعادة تصويب «البوصلة»، اما اليوم فعودة الحريري الى رئاسة الحكومة محكومة بضوابط سياسية وثوابت املتها المعطيات الاقليمية والداخلية، لا هو يريد، ولا يستطيع ان يتجاوزها، ولا يرغب الحزب ايضا في تعديلها لانها تتناسب مع رؤيته السياسية القائمة على ضرورة حماية الاستقرار الداخلي وفصله عن تطورات المشهد السوري، هذه المعادلة ما تزال قائمة وستظل ما بعد حلب وما قبلها، وما بعد ادلب، وغوطة دمشق وما قبلها وما بعدها.
وكان على تيار المستقبل ان يخرج من «عقدة» حتمية دفع تراكم خسائر رهاناته الخاطئة، ويقتنع بان احدا لا يرغب بالغائه، وهذا ما حصل مساء امس ثمة «لعبة» محلية يخوض غمار تفاصيل «حرتقاتها» الصغيرة والكبيرة منذ سنوات، انها جزء من «الحياة» السياسية اللبنانية، الاتفاق عندما تم على حكومة وحدة وطنية فان الامر لا يحتاج الى الكثير من «التشاطر» لتفسير ما تعنيه، «كلن يعني كلن»، في الصيغة الثلاثينية، وغالبيتهم في صيغة الـ «24»، لا تحتاج الامور الى الكثير من «الذكاء»، كان المطلوب حكومة لتقطيع هذه المرحلة الانتقالية نحو الانتخابات النيابية، لا العهد اعتبرها حكومته، ولا التيار السياسي المناهض للمستقبل يريدها حكومة «استقواء».. عقدة الوزير الشيعي السادس في الحكومة الثلاثينية، لم تكن مطروحة اصلا، فما دخل حلب في هذا الموضوع؟ فهل كانت ستتغير هذه المعادلة اذا تحررت حلب او لم تتحرر؟ يالها من «نكتة» سمجة.. لم تكن هناك عقد جدية تستاهل التاخير، عندما تواضعت القوات اللبنانية ، وعندما اقتنع الحريري ان «مناورة» قانون الانتخاب لم تعد تجدي نفعا، «ولدت»الحكومة، واكتشف الجميع ان كل الشعارات الكبيرة كانت مجرد «شماعة» لتبرير تاخير «الولادة»… وهذا ما حصل مساء أمس…