لن يمرّ ما قاله وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بحق رئيس مجلس النواب نبيه بري مرور الكرام، ولو جاء الاعتذار علنيا وامام اللبنانيين، فما كان ساريا من تعاط سياسي بين حركة أمل والتيار الوطني الحر قبل تسريب الفيديو المشين لن يكون كما بعده، والأمر أصبح محسوما بالنسبة لقيادة الحركة: «وزير الخارجية كسر الخطوط الحمراء».
قبل الحديث عن بيان رئاسة الجمهورية تتوقف مصادر مقربة من حركة «أمل» عند الدور الذي حاول رئيس الحكومة سعد الحريري لعبه بعد تفجّر الأزمة بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، مشيرة الى أن الحريري لم يعد طرفا مقبولا للعب دور الحكم، خصوصا بعد أزمة مرسوم ضباط دورة عام 1994 واخلاله بوعده لرئيس المجلس. وتضيف المصادر: «يعلم الحريري جيدا موقف بري منه ويعلم بأن الأخير يرفض استقباله في عين التينة، ولذلك قام بإرسال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق»، مشيرة الى أن لعب دور الوسيط يحتاج الى مهارات كثيرة يفتقدها الحريري وأهمها «الحيادية». وتقول: «هل نسي الحريري أن رئيس المجلس حمّله برفقة وائل أبو فاعور مشروع حل لأزمة المرسوم وأبقاه في خزانته؟».
صدر بيان رئاسة الجمهورية التي غابت خلال الساعات الأولى التي تلت تسريب الفيديو والتسجيل الصوتي الذي يقول فيه باسيل «الحل أن نكسر رأس نبيه بري قبل أن يكسر رأسنا»، وجاء في البيان: «ما حدث البارحة على الصعيدين السياسي والأمني اساء إلى الجميع وادى الى تدني الخطاب السياسي الى ما لا يليق باللبنانيين»، مضيفا:»ما حصل على الأرض خطأ كبير بُني على خطأ، لذلك فاني من موقعي الدستوري والابوي اسامح جميع الذين تعرضوا اليّ والى عائلتي».
وأضاف الرئيس عون: «اتطلع الى ان يتسامح الذين اساؤوا الى بعضهم البعض، لأن الوطن اكبر من الجميع، وهو اكبر خصوصاً من الخلافات السياسية التي لا يجوز ان تجنح الى الاعتبارات الشخصية لاسيما وان التسامح يكون دائماً بعد اساءة»، مشيرا الى ان «القيادات السياسية مطالبة اليوم بالارتقاء الى مستوى المسؤولية لمواجهة التحديات الكثيرة التي تحيط بنا واهمها المحافظة على الاستقرار والأمن والوحدة الوطنية وعدم التفريط بما تحقق من انجازات على مستوى الوطن خلال السنة الماضية».
في هذا السياق تستغرب المصادر المقربة من حركة امل ما صدر عن عون، معتبرة أن «التسامح» لا يكون ممن أخطأ، ولا يمكن القبول بمساواة ما صدر عن باسيل، بتحركات الشارع الغاضب. وتضيف: «نحن لم نعد نرى عون حكما بل طرفا في أزمة بدأت منذ فترة وتفجرت بعد الحديث المهين الذي صدر عن باسيل بحق بري، وبالتالي كيف لمن أخطأ بحق فئة من الشعب اللبناني وبحق موقع رسمي دستوري أن يسامح الذين صدرت الإهانة بحقهم»، مشددة على أن البيان تطرق للعموميات ولم يسم جبران باسيل وكأن المطلوب تمرير ما حصل والمضي قدما.
وتقول المصادر: «ما كان يقوله باسيل بالسر في لبنان وخارجه خلال زياراته الخارجية وحملاته الانتخابية أصبح علنيا وحجم التعامل معه سيكون بحجم الكلام الخطير»، معتبرة أن خطر الحديث ليس بالإهانة الشخصية التي وُجهت لرمز وطني كبير بل بكمية الحقد الطائفي الذي يعيدنا الى زمن الحرب الأهلية. وتضيف: «إن السكوت عن الاساءة سيُقابل بإساءة أكبر، وتمرير الإهانة سيعني اهانة أكبر».
أما بالنسبة لتحالف التيار الوطني الحر وحزب الله، فترى مصادر مقربة من حزب الله أن بيان الحزب لم يكن سوى بداية ردّ قاس يضع خطوطا حمراء امام جبران باسيل المستمر منذ فترة بتخطي قواعد التحالف. وتقول المصادر: «لم يسع حزب الله يوما الى فك تحالفه مع التيار حتى في أسوأ الأوقات السياسية التي مرّت على لبنان، وفي أحلك الظروف بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، وكان الحزب ناصحا بالسر لا بالعلن ومحذرا من خطوط حمراء لا يمكن له قبول تخطّيها»، مشيرة الى أن كلام باسيل بحق بري هو كلام بحق الطائفة ككل وبحق موقع رئاسة مجلس النواب، مشددة على أن «الوحدة الشيعية تشكل أولوية بالنسبة لحزب الله».
وتضيف المصادر: «بعد تسريب الفيديو تولى احد مسؤولي حزب الله محاولات «لملمة» المشكلة، فاتصل بباسيل وبمسؤولين في التيار ولكنه ووجه بعنجهية مستغربة، وفوجىء بأن المسؤولين في التيار لا يخجلون من حديث باسيل بل يشجعونه على الاستمرار في نفس النهج، الأمر الذي جعل قيادة الحزب تتخذ قرارها بإصدار بيان قاس فيه ما فيه من الرسائل الحازمة الى رئيس التيار الوطني الحر». وتقول المصادر: «لم يعد خافيا على قيادة حزب الله أن ثمة تيارا في التيار الوطني الحر يطمح لفك تحالفه مع الحزب، لاعتقاده بأن التحالف أصبح يشكل ضررا على مصالح التيار، وتحديدا بعد تحالفه الاستراتيجي مع رئيس تيار المستقبل ودول غربية».
وتلفت المصادر النظر الى أن جمهور حزب الله الذي تحمّل اخطاء التيار الكبرى لم يعد باستطاعته تحمل المزيد، فالجمهور لن ينسى كلام باسيل عن «حق الشعب الاسرائيلي بالسلام»، ولن ينسى تطاول محطة الـ«otv» على أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله بعد دعوته لمنع عرض فيلم «the post» في لبنان، ولن ينسى أيضا التعرض لمقام الرئيس نبيه بري.
لن تُسقط حركة أمل الحكومة تقول مصادر في «أمل» لأن إجراء الانتخابات النيابية هي أولوية قصوى بالنسبة لها، كذلك لن تهدد الاستقرار الذي يعيشه البلد، ولكنها بالوقت نفسه لن تسكت على الإهانة ولها طرقها الخاصة بالرد، بحسب المصادر. وتقول: «إن اللعب على الوتر الطائفي لأجل الحشد الإنتخابي سيؤدي الى منزلقات خطيرة جدا وليتعظ باسيل مما سبقه على هذا الطريق، وليعرف جيدا أن الانتخابات ليست آخر الدنيا وليست نهاية لبنان».