Site icon IMLebanon

مسيِّرات الحزب

 

 

كسر «حزب الله» إيقاع عطلة نهاية الأسبوع برسالة مسيّراته للإيحاء بأنه يستطيع عندما يريد أن يهدّد أمان البحر المتوسط. هذا هو دوره وهذه هي وظيفته أينما يحط رحاله لينفذ مشاريع مشغّله، وفق خريطة مصالحه.

 

بالطبع هو لم يعتمد عملية تجسس سرية، يبني عليها، إذا ما أراد القيام بفعل «المقاومة» ضد نهب ثروة لبنان النفطية والغازية في مياهه الإقليمية، وانما كان يقدم استعراضاً إلى من يهمهم الأمر، وليس بالضرورة أن تكون إسرائيل على رأس قائمة من يستهدفهم برسالته هذه.

 

بالتالي، لم يتوقف الحزب عند تكليف إسرائيل الوسيط الأميركي بزجر الدولة اللبنانية وتحذيرها، لتتابع عملها مستغلة هذه العمل العسكري، للتحرر من مفاوضات ترسيم الحدود وتحميل لبنان مسؤولية إفشال الوساطة الأميركية، وتبرير استكمال عمليات استخراج الغاز من المنطقة المتنازع عليها بمعزل عن مفاوضات الترسيم في هذا المجال لأنّ «حزب الله يقوّض قدرة الدولة اللبنانية على التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية».

 

أكثر من ذلك، هو لم يشعر بالإهانة جراء تعامل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي مع الحادثة، مغرداً ومتهكماً تحت هاشتاغ «دعاية فاشلة» بالقول: «رسالة المقاومة وصلت ومسيّراتهم دُمِّرت في عقر دارها (…) حزب الله يورّط لبنان ورسالتنا وصلت»، وأضاف: «وفروا مصاري (أموال) المسيّرات لإطعام شعبكم».

 

ولم يشعر بالأسف أن نسبة من اللبنانيين، يوافقون هذا التهكم، ويعتبرون أن الجائع لا يستطيع تحرير القدس، في انتقاد للحزب الذي يساهم بمأساتهم، وهم يقفون لساعات في طوابير لتأمين رغيف الخبز.

 

فهذا الواقع لا يعرقل الحزب، ولا يؤثر على تجاوزه الدولة والتعالي عليها حين تستدعي مصلحة راعيه الإيراني ذلك.

 

المهم عنده أن تصل رسائله المسيِّرة مع ما تحمله من احتمال تعريض لبنان واللبنانيين لمغامراتٍ غير محسوبة، عدا المواقف المحرجة في توقيتها.

 

وهذه الرسائل السياسية والأمنية ليست باتجاه الخارج وحسب، بل باتجاه الداخل اللبناني أيضاً، وتحديدا لتذكير اللبنانيين بأنه الآمر الناهي، وبيده قرارات السلم والحرب، بمعزل عن النتائج. فهو يعرف أن استمراريته لم تعد مرهونة بإنجازاته، ولم تعد تنفع ادعاءاته بأن تموضعه في خانة الطائفية الضيقة هو لحماية طائفته، وإيهام أبناء هذه الطائفة ان الخروج من هذه الخانة يقضي على أمانهم وانتمائهم. فالأصوات المعترضة إلى تزايد، وتحديداً مع قراءة موضوعية لأرقام المقترعين في انتخابات 15 أيّار 2022، التي تُبَيِّن أن 30.5% من شيعة لبنان هم فقط من صوتوا لـ»حزب الله».

 

مع احتساب ما يمكن من الضغوط والإرغامات والتهديد والتهويل والانتفاع، يمكن الاستنتاج أن هذه النسبة معرضة للتقلص في حال تراخت قبضة الحزب الأمنية والاقتصادية، وتحديداً مع امتناع حوالى 46% من الشيعة عن الاقتراع.

 

من هنا، يمكن إدراج رسالة المسيرات التي وصلت، في خانة تذكير من يجب تذكيره بأن على من يعترض على الوقوف في طوابير للحصول على رغيف الخبز، أن يشعر بالضعف والخوف، لأنه قد يواجه ما هو أصعب، إذا ما كان رد الفعل الإسرائيلي على المسيرات أبعد من التهكم.

 

أما عن حماية ثروة لبنان النفطية والغازية في مياهه الإقليمية، فتبقى تفصيلاً دعائياً، لأن مسيرات الحزب وإيحاءاته تحمل رسالة وحيدة، وهي تنبيه اللبنانيين والعرب والمجتمع الدولي، الى أن لبنان محكوم بالذراع الإيرانية التي تجيد اللعب في الوقت الضائع، بعد فشل المحادثات الأخيرة في الدوحة وعشيّة زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة. وأولوية هذه الذراع تبقى تحسين أوراق مفاوضات إيران النووية قبل لقاءٍ جديد مع المجتمع الدولي.