بات يُحسب لكلّ موقف سياسي أو اقتصادي ألف حساب عند القوى السياسية التي تعمل لشدّ العصب والحفاظ على ما تبقّى من أصوات قبل موعد الإنتخابات النيابية.
قد يكون «حزب الله» يملك حسابات تتخطّى لبنان لتصل إلى الإقليم، فهو بالطبع فصيل في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لكن الأكيد أنّ الوضع اللبناني يقلقه.
خرج الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الأسبوع الماضي ليزفّ للّبنانيين خبراً، في باطنه نعيٌ لكلّ ما بقي من سيادة ووجود للدولة، ومفاده أنه بدأ تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ الذكية ومستعدّ للإتجار بها، ما خلق صدمة عند الرأي العام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً.
وفي السياق، فإن نصرالله أراد توجيه رسائل إلى إسرائيل للقول إن الإستهدافات التي تحصل في سوريا بغطاء روسيّ لن تؤثّر فيه، وكذلك للقول لبيئته الشيعية إنه بات يملك أكثر من «فائض قوة» وباستطاعته مواجهة أعتى جيوش العالم، في حين أنّه يريد تسكير ساحته الشيعية ويخاف من تحقيق خرق لقوى التغيير في الإنتخابات.
هذا بالنسبة إلى الساحة الشيعية، لكن السؤال الأهم كيف ينعكس هذا التصريح على الساحة المسيحية وعلى حلفائه وعلى رأسهم «التيار الوطني الحرّ» ورئيسه النائب جبران باسيل ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون؟
يرى معظم اللبنانيين أن الدولة تنهار في عهد عون، فإذا كان العهد يحاول تبرئة نفسه من الإنهيار المالي والإقتصادي ويردّه إلى السياسات المالية السابقة، فإن تغطية تصرّفات «حزب الله» لا يمكن تجاوزها وهو الذي عاد إلى تأكيد التحالف معه.
ويأتي تصريح نصرالله في الدرجة الثانية كضربة إلى المكوّن المسيحيّ بعد بقية المكونات، فإعلان الأمين العام لـ «حزب الله» أنه يُصنّع طائرات مُسيّرة يدخل في سياق أنه لا يقيم أيّ اعتبار للدولة، فقد تخطّى رئيس الجمهورية المسيحي الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلّحة، وكذلك لم يقم أيّ اعتبار لقائد الجيش المسيحي، لا بل هاجم القيادة العسكرية قبل آخر إطلالة.
تعيش الدولة أحرج لحظات الإنهيار والتحلل، بينما تعيش «دويلة حزب الله» عزّها في العهد العوني، وبالتالي فإن هذا الأمر دفع رأس الكنيسة المارونية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى الإنتفاضة على سلاح «حزب الله»، الذي يتبع للخارج، وعلى كل سلوك «الحزب» ومن يغطّيه. يفاخر المسيحي بأنه يبيع قطعة أرض لتعليم أولاده، كذلك كان يُفاخر بأنه يملك أهم مدارس في الشرق وبنى أهم المستشفيات وكان بارعاً في القطاع المصرفي والمالي وساهم في النهضة العربية عبر أدبائه وصحافييه وشعرائه ومطربيه مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومارون عبود والرحابنة وفيروز وصباح ووديع الصافي، وإذ به يرى رئاسة الجمهورية وأكبر تيار مسيحي ملتصق بحزب يُفاخر بأنّه يصنع طائرات وصواريخ خارج إطار الدولة، لا بل لضرب ما تبقّى من هيبة الدولة.
لا شكّ أن تصاريح نصرالله ستعكس مزيداً من الخوف المسيحي على ما تبقّى من وجود وهيبة للدولة، فالمسيحي اللبناني الذي عشق الحرية قاوم أهم الدول والإمبراطوريات ومارس حريته، وبالتالي لن يقبل، حسب الكنيسة، بالتخلص من الإحتلال السوري للمجيء باحتلال ايراني وتطبيق عادات بعيدة عن منطق كل اللبنانيين.
وسترتدّ تصريحات نصرالله سلباً على حلفائه المسيحيين مثل باسيل وتيار «المردة» وبقية الشخصيات الغارقة في فلكه، إذ إن الكنيسة والقيادات المسيحية المقابلة للعهد وضعت عنواناً كبيراً للمعركة وهو مع استعادة الدولة أو مع «دويلة حزب الله»، وهذا العنوان سيشكّل نقطة فصل في المعركة النيابية المقبلة، إذ إن اللبناني والمسيحي خصوصاً ينتظر من المسؤولين طرح برامج لإنتاج الكهرباء وتطوير الإتصالات وتطوير الصناعة الوطنية لتأمين الإكتفاء الذاتي، وإذ به يتفاجأ بتصنيع المسيّرات بعد تحويل البلد إلى ساحة لإنتاج وتصدير المخدرات.