Site icon IMLebanon

“مُسيَّرات”… ومداميكُ لـ”الجدار”

 

 

يؤكد تفعيل السيد حسن نصرالله كلامه في ذكرى “القادة الثلاثة” بإطلاق المُسيَّرة “حسّان” فوق اسرائيل سيْر “حزب الله” في “مشروع المقاومة” غير آبه لا بشركاء في الوطن يخالفونه القناعات، ولا حتى بمؤيدي أصل “المشروع” الرافضين تفكيك الدولة والنسيج اللبناني والمقامرة بأمن المواطنين. وهو مسار قرَّب كثيرين من الكفر بالتسويات ويثير الرغبة في “طلاق بالمعروف” بدل تساكنٍ بالإكراه.

 

ما مِن عاقلٍ ووطني لا يؤيد ان يكون لبنان قادراً على التصدي لأي عدوان اسرائيلي. لكن نقطة اللقاء بين المنادين بأحقية تولّي الشرعية المواجهة وبين ما يريده “حزب الله” نفسه يجب أن تكون الدولة. لا يترك “الحزب” مجالاً لهذا اللقاء، فهو مرتاح لقيام بنيةٍ سياسية وعسكرية وأمنية ومالية متكاملة لا تسنُد الدولة بطبيعة الحال، ولا تشاركها – وهو أضعف الايمان – بل تحفر تحتها بتصميمٍ، تارة بحجة عدم جهوزية الجيش لمقارعة العدو، وطوراً لأن “تحديات المرحلة والمؤامرات” توجب ثلاثية “جيش شعب مقاومة”، ودائماً لأن مشروع “المقاومة الاسلامية في لبنان” عابرٌ للحدود وفوق الدستور تعريفاً وبالمضمر والمعلن.

 

بمنطق متماسك يعلن “حزب الله” تحويل الصواريخ العادية الى “دقيقة”، لا بل يذهب حتى حدّ بيع “مُسيَّرات”. وفي السياق نفسه، على وقع مفاوضات فيينا، يرسل طائرة استطلاع ليضع “على إجر ونص” أعصاب من اكتووا بانفجار جريمة العصر في 4 آب، وبقايا دولة مهترئة لم يعد فيها شيء من مقومات المواجهة في ما لو تطور التحدي الى حرب أو نزاع. مشروعه هو القتال أو تأمين قوة ردع وجهوزية سلاح والعيش على شفا الحرب. وهو، إن يلقى استقبالاً طيباً في بيئته وبين أنصاره، فسائر اللبنانيين لا يرون فيه إلا مخاطرةً إضافية بأرواحهم وأرزاقهم وتعميقاً لأزمتهم القاتلة، ولا يفصلون بين تعاظم قوة “المقاومة” وتآكل قدرة الدولة. فما يكسبه “حزب الله” وجمهوره يخسره المواطنون الباقون، والكرامة التي يجنيها تنعكس ذلاً لدى باقي الفئات، والثبات في الأرض الذي يفاخر فيه يتحوّل هجرة كثيفة خصوصاً لدى مكونات لها حقوق في هذه البلاد بقدر ما لطائفته.

 

ينكر “حزب الله” أن يكون مساره بعد التحرير في العام 2000 ساهم في انهيار الدولة بدل قيامتها. وهو إذ يصرّ على وجوب انضمام اللبنانيين إليه أو الرضوخ له بدل ملاقاته في منتصف الطريق، فإنه يجرّدهم من أيّ أمل بحوارٍ معه، في ظل دأبه المنهجي على تثبيت استقلالية أمنية وسياسية واجتماعية عن الدولة الجامعة وقوانينها، واندفاعه نحو اللعب بالنار.

 

أسوأ ما وصلنا إليه هذه الأيام كلام يتجاوز الغُرف المغلقة الى الشوارع والاجتماعات، وهو مؤلمٌ وخطير قوامه: هنيئاً لـ”حزب الله” وبيئته بهذا النهج والمشروع، لكن حبذا لو نتفق معهما على “جدار أخوّة” يمارسان خلفه رغبتهما في التسلح وخوض الحروب وتكريس أنماط عيش والتوجه شرقاً، فيما يتفيأ مَن في الجهة المقابلة للجدار دولة قانون آمنة تزدهر فيها ثقافة الحياة.