Site icon IMLebanon

مسيّرات في الجو وانهيارات على الأرض

 

 

صوت “حزب الله” السياسي يعلو مع صوته العسكري ضمن استراتيجية شاملة على مراحل. استراتيجية ليست محصورة بلبنان، ولا خارج الإستراتيجية الإقليمية لإيران، وإن كان لبنان قاعدتها الأساسية التي من دونها تبقى مجرد نظرية. حديث الإصرار على الدور المؤثر في إدارة المعركة الإنتخابية في كل المناطق يرافق حديث الأمين العام السيد حسن نصرالله عن صنع المسيّرات وتحويل الصواريخ العادية الى دقيقة. والكلام على استخدام كل الوسائل لدعم حلفائه ومنع خصومه من تغيير المعادلة السياسية وتحصين بيئته من أي خرق للوائح “الثنائي الشيعي”، يقابله الكلام على ما بعد تحليق المسيّرة “حسان” لمدة أربعين دقيقة وعودتها من دون أن يتمكن العدو الإسرائيلي من إسقاطها، وهو تغيير المعادلات العسكرية وقواعد الإشتباك.

 

وليس هذا خارج النقاش الذي يتجاوز السجالات الدائرة. فكل ما يقلق إسرائيل ويخيفها جيّد. لكن ما يعرّض لبنان للخطر من دون قدرة على منع العدو من تدميره ولو مع إحداث دمار في إسرائيل، هو لعبة خطيرة جداً. وتغيير المعادلات وقواعد الإشتباك يحتاج الى عمل كبير، لا الى مجرد إرسال مسيّرة وأكثر، وتجاهل ما يحدث من رد.

 

بعد حرب تموز 2006 تكرر تعبير “النصر الإلهي”، وتغيير المعادلات. غير أن الحساب الواقعي للتغيير هو الذي سجّله مجلس الأمن بالقرار 1701 و”تعزيز” قوات “اليونيفيل”. قبل الحرب كانت إسرائيل إنسحبت بفعل المقاومة عام 2000 الى الحدود الدولية باستثناء الغجر ومزارع شبعا. وكان “حزب الله” يقيم تحصيناته جنوب الليطاني وأماكن أخرى. القرار 1701 منع أي وجود مسلح خارج المؤسسة العسكرية جنوب الليطاني، وصار أي وجود عسكري للمقاومة مسألة بالغة السرية ومخالفة للقرار. ففي أي اتجاه يوضع هذا التغيير في قواعد الإشتباك وماذا يفعل “توازن الردع” إذا كان تحت رحمة قرار كبير بالحرب لـ”حزب الله” وطهران أو لإسرائيل؟

 

“حزب الله” لم يكتم ما يريده على المدى القريب: الحفاظ على الأكثرية النيابية واستمرار الهيمنة على الرئاسات الثلاث. الذهاب الى أبعد في الإمساك بقرار الحرب والسلم عبر الإعلان عن صنع المسيّرات. وإذلال الشرعية بتحدي قراراتها والحرص على مهاجمة السعودية ودول الخليج لإحداث قطيعة عربية مع لبنان.

 

وما عاد يكتم هدفه على المدى المتوسط. فلا أحد يجهل معنى أن يصف “الحزب” المرتبط بإيران إيديولوجياً ومالياً وتسليحياً كل خصومه المعارضين وتنظيمات المجتمع المدني بأنهم “جماعة سفارات”. وليس أمراً قليل الدلالات توزيع كلام للسيد هاشم صفي الدين الرجل الثالث في “الحزب” والذي خلاصته: “سوف نبني لبنان الجديد القوي المنيع المقاوم، ونكنس الأميركي وأزلامه”. والسؤال هو: هل يستطيع “حزب الله” أن يحكم لبنان بتعقيداته ويواجه إما الحرب وإما التسوية مع إسرائيل؟ وماذا تفعل قوة الصواريخ والمسيّرات إذا كانت الأرض تحتها تنهار تحت أثقال أزمة مالية واقتصادية عميقة؟

 

تذكروا قول ماركس: “البنية التحتية الإقتصادية للمجتمع هي القاعدة التي ترتكز عليها البنية الفوقية الإيديولوجية والثقافية”.