IMLebanon

من الصهاريج إلى المسيّرات

 

ليس لمناكفات التشكيل والتوزير والمحاصصة قيمة فعلية. حتى التصريحات والتسريبات لم تعد ذي بال، ومن ذلك موضوعة الكنافة من الديمان. لقد مرّ الخلاف المزعوم، على جديته بين القصرين، بهدوء وهو لا يزال يتابع سيره على خطى يرسمها أبطال آخرون.

كانت مسيّرات «حزب الله» باتجاه منصات الغاز الاسرائيلية بمثابة صفّارة إنذار للاعبين الحكوميين، تقول لهم كفى تهويشاً، خذوا من السلطة ما سنتيحه ونضمنه لكم.

كان الحزب، في مسألة الغاز البحري، قد أعلن أنه يدعم المفاوضات التي تجريها الدولة، وهو يقف وراءها في ما تقرره. وعندما اطلق رحلته الاستكشافية باتجاه منصة كاريش لم تكن المفاوضات المذكورة قد انتهت. بالعكس كان المعنيون في «الدولة» يتحدثون عن تقدم ايجابي، فما الذي جعل السيد حسن نصرالله يقفز بمسيّراته، الآن بالذات، امام الدولة؟

في الواقع لم يقفز أحد. فعل الحزب ما يتقنه وما يواصله بثبات منذ سنوات. التأكيد انه الطرف الاساسي في لبنان وهو صاحب القرار في السلم والحرب، في السماح بالتفاوض وفي الاشراف عليه وفي وقفه أيضاً. وهو صاحب القرار في تموضع لبنان السياسي. ألم يقل كلمته في هذا التموضع عشية استضافة الدولة المنهكة اجتماعاً متواضعاً لوزراء الخارجية العرب؟

قبل وصول هؤلاء الى بيروت للبحث في تحضيرات القمة العربية المقررة في الجزائر، استضاف الحزب المؤتمر القومي الاسلامي بحضور تنظيمات الممانعة وحلفاء ايران وابلغ من يعنيهم الأمر أن تلك التنظيمات هي التي تمثل روح الأمة وقرارها ومستقبلها، وليس وزراء خارجية الدول وخطاباتهم المكرورة، في بلد الاستضافة الذي يكرر بدوره الخطاب المسموح تحت سقف العجز الكامل.

قال «حزب الله» للداخل عبر رسالته المسيّرة: كفى ألاعيب في موضوع الحكومة. ولا يبقى امامه لترجمة رأيه سوى أن يبلغ المسؤولين عن التأليف لائحة نهائية بأسماء الوزراء والحصص والمهام. وقال للخارج، لاسرائيل ولأميركا وللمعنيين بغاز شرق المتوسط، انا صاحب القرار في لبنان، ومعي ستتعاملون. وتم ذلك عشية زيارة الرئيس الاميركي بايدن الى المنطقة، وبعد تعثر جولة الدوحة من المفاوضات النووية الايرانية! وهذا يدخل في الحسابات، حسابات ايران وحسابات انصارها عشية إحتمالات غير واضحة المعالم على امتداد المنطقة.

كان نجيب ميقاتي منهمكاً بتشكيل حكومته المستقيلة عندما انهمر عليه المازوت الايراني فأبدى اسفه واستغرابه لفلتان الحدود امام مشهد القوافل العابرة من سوريا الى لبنان، لكنه ابتلع الحزن وأكمل المطلوب منه وشكلّ حكومة قد تستمر تصريفاً حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. اليوم، وفي معمعة البحث في حكومته الرابعة، فاجأته المسيرات بدلاً من الصهاريج، وعلى المسيّرات سيُبنى المقتضى، تماماً كما على الصهاريج في زمنٍ قريب.