لم ولن تهضم إسرائيل بسهولة وصول العماد ميشال عون الى بعبدا. هي تغيّب كل صفات الدولة عند الرجل ولا ترى فيه إلا نتاجا لصفقة مع «حزب الله» ستنسحب على سوريا، وهي تتوقع أن يكون عام 2017 عام التسوية السورية مع بقاء الرئيس بشار الأسد في سدّة الحكم. لذلك، بدأ وفد عسكري وضباط «موساد» إسرائيليون سلسلة زيارات الى الاتحاد الأوروبي وواشنطن وعواصم أخرى بغية تكثيف الضغوط لتغيير المعادلات.
ماذا في المعلومات أولا:
قال الضباط الإسرائيليون في أوروبا إن خطر إيران و «حزب الله» يتفاقم بسبب الوضع في سوريا. صحيح أن الطرفين هما الهدف الاستراتيجي الأول والأكثر خطرا على إسرائيل، لكن من الضروري منع الحزب من الاحتفاظ بمواقع عسكرية دائمة في سوريا خصوصا عند حدود الجولان والحدود اللبنانية السورية لأن في ذلك كسرا لمعادلات قائمة منذ عقود.
في تحليل «الموساد»، أن «حزب الله» لن يقبل حلّا سياسيا في سوريا لا يعزز محور إيران ـ سوريا – «حزب الله»، وأن الخطر سيزداد مع انتهاء الحرب السورية، ذلك أن مقاتلي الحزب الذين كسبوا خبرات كبيرة على الأراضي السورية بعد 5 سنوات من القتال اليومي والشرس وفي طبيعة صعبة وعلى أرض غير أرضهم، لن يعودوا الى لبنان للبقاء في بيوتهم، بل سيعودون برغبة أكبر في منازلة إسرائيل. سيكون من مصلحة الحزب إذاً تعمُّد إشعال حرب مع إسرائيل في الفترة اللاحقة.
اللافت للانتباه في الحوار الإسرائيلي ـ الأوروبي، أن بعض الأوروبيين حين كانوا يطرحون الأسئلة عن دور «حزب الله» في وقف التمدد الإرهابي ومقاتلة تنظيمات إرهابية وتكفيرية من أكثر من 80 دولة، كان الجواب الإسرائيلي المباشر، أن هذه التنظيمات الإرهابية لا تشكل خطرا مباشرا أو آنيا أو داهما على إسرائيل وأن الخطر الأهم حاليا هو «حزب الله» واقتراب إيران من الحدود الإسرائيلية وسيطرتها على مفاصل كثيرة من مواقع الصراع مع إسرائيل. ودعّم ضباط «الموساد» كلامهم بصور جوية لمناطق حدودية لبنانية وسورية.
في رد على سؤال عما إذا كانت العلاقة الإسرائيلية الروسية الممتازة حاليا تخفف القلق الإسرائيلي من تنامي قدرات «حزب الله» المدعوم من إيران، تحدّث الضباط الإسرائيليون عن تقارب مصلحي واضطراري ولكنه آني مع موسكو. قالوا إن الأولوية بالنسبة لإسرائيل تبقى أميركا. يقترح الوفد الإسرائيلي أن يصار الى رفع وتيرة الضغوط الأوروبية على الإدارة الأميركية الجديدة ولكن أيضا على روسيا بغية إيجاد سبل مواجهة هذا الواقع الجديد واستعادة التوازن التقليدي الذي اختلّ كثيرا بانخراط «حزب الله» وإيران وروسيا في الحرب السورية.
ماذا عن عون ثانيا؟
في ما يخصّ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للبنان، فإن إسرائيل أبلغت الاوروبيين عبر وفدها الى الاتحاد الاوروبي، أن هذا الأمر ما كان ليتحقق لولا الدعم المباشر والحازم لـ «حزب الله». هي تعتبر أن هذا ليس دعما مؤقتا أو تكتيكيا بل خيار استراتيجي لا يتعلق فقط بتغيير المعادلات الرسمية في لبنان لمصلحة المقاومة، خصوصا أن عون مقتنع بضرورة أن تبقى عقيدة الجيش اللبناني مناهضة لإسرائيل، بل هو في سياق تقديم نموذج عمّا سيكون عليه الأمر في سوريا لاحقا. ترى إسرائيل أن الالتفاف الشعبي حول عون يحسّن موقع الحزب في البيئة اللبنانية ويُضعف موقع مناهضيه.
وفي التحليل الإسرائيلي، أنه إذا ما استمرت الأمور على نحوها الراهن من تقدم للجيش السوري بغطاء روسي وتراخ غربي مقابل تفكك الغطاء السياسي والعسكري للمسلحين المعارضين للنظام السوري و «حزب الله» وإيران، فإن عام 2017 سيكون بلا شك عام التسوية في سوريا الذي يخرج منه الرئيس الأسد وحلفاؤه منتصرين، ما يعني مضاعفة القلق الإسرائيلي. صحيح أن إسرائيل فرحة بانفتاح دول عربية عديدة عليها وخصوصا خليجية، لكنها ترى أن هذا ليس ذا تأثير كبير أمام قوة إيران واتساع دورها في الدول العربية المحيطة بإسرائيل.
ماذا في التحليل ثالثا؟
يظهر جليّا أن إسرائيل هي أبرز الممانعين لتسوية سياسية في سوريا وأنها ستستمر بدعم المقاتلين حتى ولو كانوا إرهابيين وتكفيريين. هي لا شك ستمارس أقصى ضغوطها في الكونغرس الاميركي للدفع باتجاه تصعيد الأمور ضد محور المقاومة في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية ولاستمرار الحرب السورية طويلا وتعطيل عهد عون.
الواضح من خلال التصريحات الروسية الأخيرة، أن إسرائيل لا تبني قلقها على فراغ برغم كل أكاذيبها الدعائية المعروفة. فروسيا انتقلت من مرحلة الخجل في التعبير عن دعم شخص الأسد، الى مرحلة المجاهرة بذلك. هذا رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف يقول «إن الرئيس بشار الأسد رئيس شرعي ويجب أن يشارك في العملية السياسية» ويتهم الغرب بالتحايل في ما يتعلق بالفصل بين المعارضة المعتدلة والإرهابيين.
تصريح ميدفيديف ليس منعزلا عن القناعة المتزايدة لبوتين بضرورة بقاء الأسد. فوفق معلومات موثوقة، قال الرئيس الروسي لنظيره الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل في خلال القمة التي جمعتهم في 19 تشرين الأول الماضي أنه سيقاتل الإرهاب في سوريا حتى يسحقه تماما وأنه يدعم بقوة بقاء الأسد رئيسا لسوريا وأن التاريخ سينصف خيارات الأخير لأنها الخيارات الوحيدة التي تحارب فعليا آفة الإرهاب وتعيد التوازن الى السياسة العالمية. شرح الرئيس الروسي الذي تعمَّد على ما يبدو الوصول الى هذه القمة متأخرا نصف ساعة، أنه لم يعارض ابدا الهدَن الانسانية في حلب ولا في غيرها لكن روسيا سرعان ما تكتشف أن خلف الأمر فخاخا وأنه ما دامت أميركا والغرب مستمرين بتغطية «النصرة» وفصائل إرهابية أخرى ولا يريدان الفصل فعليا بين المعتدلين والإرهابيين، برغم عدم قناعته الفعلية بوجود كثير من المعتدلين، فإن الحرب ستطول وروسيا ستبقى وتقاتل حتى سحق الإرهاب وتعزيز النظام والدولة.
هذا الموقف الروسي ومعه الموقف الإيراني يتوافقان تماما مع ما قاله الرئيس الأسد قبل أيام لصحافيين أميركيين وبريطانيين أنه باق في السلطة على الأقل حتى تنتهي ولايته الثالثة عام 2021.
هل من خطر؟
يبدو أن هذه القناعة باحتمال حسم المعركة وبقاء الأسد، صارت تقلق لا إسرائيل فقط وإنما دول عديدة، الأمر الذي دفع رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي للتذكير مؤخرا أمام نظرائها الاوروبيين بضرورة وضع لائحة بأسماء رجال أعمال ومقاولين روس يعملون في سوريا أو معها لفرض عقوبات عليهم. هذا المنطق البريطاني يؤيده بقوة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي قد يصاب بهزيمة نكراء في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أشهر قليلة. لكن التشدد البريطاني الفرنسي، لقي معارضة من دول أوروبية أخرى تريد الانفتاح على جميع الأطراف بما فيها النظام السوري بغية تشجيع التسوية السياسية، الأمر الذي دفع مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي الى حـــصر العــــقوبات الجديدة بشخصيات سورية والاستعاضة عن عبارة «تحويل المســؤولين عن جرائم الحرب الى محكمة الجنايات الدولية» بعبارة تشير فقط الى ضرورة «تحمل هؤلاء مسؤولية أعمالهم»، دون تحديد الجهة التي يمكن أن تبحث بذلك.
وقد تبين أن رئيس وزراء إيطاليا هو من أكثر المعارضين لهذا النهج العقيم البريطاني الفرنسي. هو يعتبر أن التشدد سيزيد العقوبات وقد يدفع موسكو للانسحاب من المجموعة الدولية لدعم سوريا، فينتهي بذلك أي جهد جماعي دولي لوقف الحرب. يوافقه في ذلك رؤساء حكومات آخرون بينهم الهنغاري واليوناني واللوكسمبورغي.
أمام هذا الانقسام الاوروبي حيال سوريا وروسيا، فإن الممثلة العليا للسياسة الخارجية الاوروبية فيديريكا موغريني جالت على إيران وتركيا والسعودية وعادت تطرح على نظرائها خطة تتعلق بالمرحلة النهائية للأزمة السورية لا بالانتقالية التي لا تزال تصطدم بمصير الأسد.
وإذا كان كثيرون في الاتحاد الاوروبي ينتظرون نتائج الانتخابات الأميركية ومعرفة الموقف الأميركي الحقيقي من سوريا وروسيا، فإن سلسلة من العقوبات الجديدة ستطال ما لا يقل عن 10 شخصيات سورية سيُتَّهمون بجرائم في حلب وربما يطال الأمر أحد المحافظين.
أما الجديد اللافت للانتباه عربيا، فهو أن مصر التي استقبلت مؤخرا وعلنا رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك، هي التي تقوم حاليا بالوساطة بين الاوروبيين والحكومة السورية في الجوانب الإنسانية.
كل ما تقدم، يفترض الحذر الشديد في لبنان خصوصا أن البلد مفتوح دائما على الاختراقات الإسرائيلية تماما كما أن إسرائيل وحلفاءها أميركيا وأوروبيا وعربيا لن يتقبلوا بسهولة رئيسا في لبنان مؤيدا للمقاومة ولا بقاء الرئيس الأسد، وهذا على الأرجح، ما دفع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله للقول في خطابه الأخير إن الأوضاع في المنطقة لا تزال معقّدة وإنه «لا يوجـد أفق بل مزيد من الحروب المشتعلة والقتال الدامي».. فتش عن إسرائيل.