الذين هم على تواصل مع دوائر القرار في “حزب الله” خرجوا باستنتاج فحواه انه في الأشهر الثلاثة الماضية ولج الحزب عتبة خطة جديدة لمواجهة مرحلة تصعيدية مستجدة بدأها أعداء المحور الذي ينضوي الحزب تحت عباءته وهو محور “الممانعة” في كل ساحات الاشتباك والسخونة التي دخل الحزب الى ميادينها مباشرة أو غير مباشرة.
وتقوم خطة الحزب على جملة اعتبارات ووقائع أبرزها:
– ان أزمات المنطقة طويلة الأمد وباب الاحتمالات مفتوح على مصراعيه.
– ان اعداء محور الممانعة قرروا مضاعفة جهودهم واستنفار قواهم بغية تحقيق غلبة سريعة في اليمن أو العراق أو سوريا تقلب موازين وتكرّس معادلات جديدة ومسارات وتعيد خلط الأوراق عموماً.
– ان المنظمات والقوى المتشددة وفي مقدمها تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” وما بينهما “جيش الفتح” تجد الآن فرصتها الذهبية لتحقيق تقدم ميداني يعتد به في ساحتي العراق وسوريا، وهي فرصة مربوطة بزمن محدد مبني على حسابات عسكرية وموازين سياسية دقيقة قد لا تتاح مجدداً.
– ان مايسترو اللعبة الاقليمية والدولية، وتحديداً الادارة الاميركية، أتاحت لمكونات المحور المحسوب عليها فرصة ان يركبوا “أعلى ما في خيلهم” ويستخدموا كل مخزونهم من أوراق القوّة والرهان ليكون ذلك فرصة لإنهاك الجميع من جهة وليتثبت الجميع من أن ليس بالامكان تنفيذ كل أحلامهم ومراميهم وبلوغ ذروة رهاناتهم ليبنى على الشيء مقتضاه وليكون بعدها لكل مقام مقال.
وبناء على ذلك كان لا بدّ للحزب من أن يشرع في تنفيذ خطة المواجهة المضادة. على المستوى العسكري جرّد الحزب كما هو معلوم حملته العسكرية في جرود القلمون السورية ليكملها لاحقاً في جرود عرسال والتي يحرص يومياً على اثبات انها اعطت أكلها وحققت أهدافها ووجهت ضربة مزدوجة الى “النصرة” و”داعش” في آن واحد.
ولا شك في أن الحزب اعطى لهذه الحملة المتوالية فصولاً بعداً استراتيجياً يتصل في خطابه المعلن بحماية الحدود اللبنانية من خطر ارهاب كامن ومتربص، ويتصل في خطابه المضمر بدعم خطوط عسكرية جديدة قرر النظام السوري التراجع اليها والتحصن فيها عقب سلسلة النكسات التي مني بها جيشه نتيجة ما يراه هجمة كبرى اعتمدت موجات بشرية مكثفة تستهدف مزيداً من الانهاك للجيش السوري المنهك أصلاً وتلقائياً بفعل حروب مستمرة منذ أكثر من أربع سنوات. وهي خطوط تبدأ من أقصى الساحل السوري لجهة تركيا وتمرّ بحمص وريفها ومن ثم حماه بلوغاً الى دمشق ومحيطها، وذلك بغية ممارسة فعل صمود يعطّل هجمة الاعداء ويمتص زخمها ويكبح اندفاعتها على غرار ما حصل سابقاً، ولاستنفاد أغراض سياسية أخرى في مقدمها تمرير الاتفاق النووي الايراني الغربي بالتي هي أحسن.
– الايحاء بشكل مباشر أو غير مباشر بأن المهمة التالية هي الاستعداد للرد على الهجمات التي حصلت بهجمات مضادة تشارك فيها مجموعات ايرانية وعراقية وافغانية وحوثية، اضافة الى مجموعات “حزب الله”.
وبالطبع فان الحزب ومن معه يتركون قصداً أمر تقدير هذه القوة الداعمة التي وصلت طلائعها الى الآخرين ولكنها لا تقل عن 30 ألف مقاتل.
– على المستوى اللبناني كان الحزب مبادراً الى سلسلة خطوات تتماهى مع ما شرع به في خطته، وأبرز هذه الخطوات:
1 – رفع الصوت عالياً لكي يتحاشى الاصطدام بعرسال من جهة، ولدفع الحكومة الى تولي مهمة الحؤول دون فرار المسلحين السوريين الذين طردهم من الجرود الى هذه البلدة من جهة ثانية.
2 – على المستوى السياسي الداخلي رفع الحزب وتيرة حملته السياسية والاعلامية على “تيار المستقبل” وفريق 14 آذار عموماً خلافاً للمرحلة السابقة فجعلهم في موقع الدفاع عن النفس والرد على الهجمات.
3 – نجح الحزب وحلفاؤه في رمي كرة الأزمة السياسية في مرمى الفريق الآخر من خلال اعلان التضامن التام مع المطالب التي رفعها حليفه العماد ميشال عون أخيراً، والتي أوشكت على شل عمل الحكومة او ادخالها في عنق زجاجة الأزمة، وهو الذي يعلم يقيناً أي قيمة كبرى لها لدى “تيار المستقبل”، فالحكومة بالنسبة اليه هي باب الامساك بمقاليد الادارة والسلطة وهي اللعبة الأحب الى قلب التيار الأزرق.
وفي كل ذلك لم يعد الحزب يجد نفسه في موقع المتهم بتعطيل انتخابات الرئاسة الأولى واطالة أمد الشغور الذي جعله الجميع مشجباً لتعليق كل الازمات عليه.
وعلى مستوى آخر، يستفيد الحزب من كل المناخات والانباء التي برزت أخيراً من مصادر شتى وتشي بأن الارهاب الموصوف، أي “النصرة” و”داعش”، لم يسقطا من حساباتهما فكرة مدّ جسور عبور الى الداخل اللبناني عبر قناطر متعددة من الخلايا والمجموعات الارهابية يمكن ايقاظها من سباتها غب الطلب. وسواء كان هذا الكلام تهويلاً كما يرى البعض، أو واقعياً وفق ما يعتقد البعض الآخر، فانه يعطي أهمية لكلام الحزب وسلوكه عن ضرورة جبه الارهاب قبل ان يطرق أبوابنا.
ولا ريب في أن دوائر القرار لدى الحزب تتوقف ملياً عند الحوار الذي بدأ بين الاطراف اليمنيين وتقرأه على أساس انه بوادر لتحولات مرتقبة. فسواء استكمل هذا الحوار أم إن جهود معارضيه نجحت في نسفه وتعطيله، فان مجرد انعقاده شكلاً ومضموناً وخصوصاً لجهة مكان التئامه أو نوعية المشاركين وفي مقدمهم الحوثيون، إنما هو خطوة في سياق له دلالاته الاقليمية والدولية ويمكن أن يبنى عليه لاحقاً على مستوى أزمات المنطقة عموماً، فضلاً عن ان الحوار نفسه هو اعتراف بحقائق طالما لفت اليها الحزب وأكد استحالة تجاهلها.