يُصرّ «حزب الله» على أن يُحوّل الموت داخل بيئته وبين مُحازبيه، إلى عادة يوميّة لا يُمكن الإستغناء عنها في المرحلة الراهنة التي يبدو أنها تتطلب من الحزب، تقديم المزيد من الدماء من أجل صرفها بالمقابل في السياسة الداخلية والخارجية.
من المؤكد أن قيادة «حزب الله« تسير اليوم على منهج يقوم على طبيعة التأقلم مع القتل، مُستعيدة من التاريخ عبارات وشعارات نسجتها عقول بشريّة خدمة لمصالحها من خلال خلق روايات يُقتل أبطالها في سبيل «القضيّة«. لهذا تحوّلت كل مجالس الحزب في مناطق نفوذه إلى حلقات وعظ وكلمات أشبه بالمُخدّر تُثمّن وتعُظّم معنى «الاستشهاد« خشية أن تستفيق بيئته على حالها من حالة التأقلم مع الموت التي أدخلها بها، لدرجة أصبح مرور يوم من دون السماع فيه عن سقوط قتيل، هو أشبه بمعجزة أو اعجوبة قابلة للتداول على مساحة القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية.
«القتل لنا عادة وشعارنا من الله الشهادة». شعار يُمارسه «حزب الله» في يوميّاته وقد يحدث ان يُشيّع الحزب في اليوم، أكثر من عنصرين أو ثلاثة، وربما مجموعة بأكملها ، لكن المفارقة أن قيادة الحزب سرعان ما تعود في اليوم نفسه، إلى ممارسة أنشطتها كالمعتاد في سياسة قلب الحقائق والكيل بمكيالين، وكأن لا شُبّان سقطوا، ولا دماء نزفت وجعاً ولا حتى أهالي مشوا في مواكب الموت والجنازات وهم يصرخون في سرّهم «كفى».
الوضع في سوريا ككل، لم يتغير منذ أن أعلن «حزب الله» مشاركته في الحرب هناك. ومع هذا، يُصرّ الحزب على أن يزف «الانتصارات« الوهميّة عبر وسائل الإعلام التابعة له ومحاولة التقليل من الخسائر، رغم انه مُلاحظ، ارتفاع أعداد القتلى في صفوفه بشكل غير مسبوق خلال الفترة الاخيرة. والحقيقة المرّة، أن الحزب يُكابر على أوجاعه ويرفض الاعتراف بورطة زجّ نفسه فيها وقد بدأت تأكل مما تبقّى له من رصيد في الشقّين المعنوي أو المادي. والمشهد المؤسف والأبلغ في آن، إن عمليّات التشييع داخل الحزب تحوّلت من حالة « المُفرّق « الى « الجُملة «، وكأنّها خطوات استباقية لتشييع « الثُلثين « اللذين كان تحدّث عنهما السيد حسن نصرالله.
من نافل القول، أن كل يوم إضافي يمر من عمر الأزمة السورية، هو بمثابة انتكاسة واضحة بالنسبة إلى «حزب الله« الذي تُثخن وتتعمّق جراحه مع كل طلعة شمس، من دون أن يتمكّن من إيجاد حل يُسهم في التقليل من خسائره والحد من الاستنزاف الذي يطاله ويُلاحقه بشكل دوري في الداخل السوري. جمهور لا قدرة له على تحمّل المزيد من الأوجاع ولا الخسائر. وعائلات، تتمنّى لو أن أبناءها استكملوا حياتهم خارج بلد تُلاحقهم فيه لعنات الموت من منزل إلى آخر، ومن قرية إلى اخرى. أطفال يكبرون على درب شعار الأخذ بالثأر، لا من يحميهم من المشي على الخطى نفسها، ولا من يمنع عنهم قدراً يرسمه لهم «حزب الله» منذ لحظة مقتل آبائهم أو أشقائهم. وحدها الدعوات والصلوات، يُمكن أن ترسم أحلاماً ملوّنة، لمن تبقّى من بيئة الحزب على قيد الحياة.
عندما يُغرق «حزب الله« نفسه في حرب هو نفسه لا يعرف متى ستكون نهايتها وعلى أي شاكلة، وعندما يُصبح عاجزاً عن ترجمة وعوده خصوصاً في ما يتعلق بتحرير الأسرى، وعندما يُصبح في خندق واحد مع الإيراني والروسي، أحد أبرز ضُبّاط إيقاع الحرب السورية إلى جانب الأميركي والإسرائيلي، وعندما يعجز عن منع الموت عن عناصره وكوادره أو حتّى حمايتهم في بلاد الغربة، عندها يُصبح من حق جمهوره عليه مُساءلته، عن جدوى استمراره في هذه الحرب وعن الإنتصارات التي سبق أن وعده بها، والأهم، السؤال عن دماء الشُبّان التي ما زالت تنزف موتاً بشكل يومي.
في بيئة «حزب الله« أكثر من تأكيد بأن هناك عناصر جرحى عادوا من سوريا، بعضهم يتمنى لو لم يعد. جرحى تعوّدوا على حقن المورفين لكتم أوجاعهم. بعضهم لا يُريد التأقلم مع وضعه الجديد ولا يتقبل أطرافاً إصطناعية بديلة عن يده أو رجله. صوت لوالدة أحد هؤلاء العناصر داخل غرفة ولدها في مستشفى «الرسول الأعظم«، يكفي للتعبير عن حجم المُعاناة التي أصابتها. «آخ من سوريا ومن الحرب في سوريا«.