إلى أي مدى باستطاعتنا كلبنانيّين تصديق الترويج لفكرة أنّ حزب الله وضع حدّاً للعدو الإسرائيلي مانعاً إياه من «تنفيذ عمليات عسكرية موضعية»، وأنّه نقل المواجهة معه ومن فوق القرار 1701 إلى معادلة «الطائرة بالطائرة والغارة بالغارة»، هكذا معادلة قد يُجدي نفعاً الضّحك بها على عقول جمهور الممانعة، القوّة العسكريّة تفتقد التفوّق بين جيش العدوّ وحزب الله، وإن كان باستطاعة الحزب إطلاق ألفيْ صاروخ فباستطاعة العدو إطلاق عشرين ألف صاروخ، فأي معادلة «مخلخلة ومختلّة» هذه؟
لا بدّ هنا من تذكير المتحمسين للتنظير لهذه المعادلة بما سمّي اصطلاحاً «ثغرة الدفرسوار» خلال حرب أكتوبر العام 1973 وبعد العبور والانتصار العظيم الذي حقّقه الجيش المصري والنكبة التي ألحقها بجيش العدو الإسرائيلي، ومع هذا اضطر الرئيس أنور السادات لوقف الحرب قائلاً جملته الشهيرة «سأكون أحارب أميركا إن أكملت»، على أرض سيناء قام سريعاً جسر جوي حربي بين أميركا وأرض المعركة يمدّ العدو بكلّ أنواع الدّعم العسكري، والأكيد أنّه ليس هناك من حاجة لإقامة جسر جوي بين أميركا وتل أبيب، لأنّ أميركا ومعها حلف الناتو كلّه في المنطقة ويجوبون البحر المتوسط ولا يحتاجون حتى للاقتراب من أي شاطىء، «كتير هالقدّ» خداع اللبنانيّين بالحديث عن هكذا معادلة وهميّة، ونظرة على إسقاط إيران أحدث طائرة درون لأميركا، ما الذي غيّرته في معادلة حصار إيران بعقوبات مميتة، لم تغيّر شيئاً، فـ»بلا بهورة»!!
ولا يتخيّر العدوّ الإسرائيلي عن حزب الله في كذب مبالغاته، فبالأمس كشف بيان للجيش الاسرائيلي عن وجود «منشآت تابعة لحزب الله تقع قرب بلدة النبي شيت أقيمت لتصنيع وتطوير صواريخ دقيقة التوجيه»، وبصرف النّظر عن وجود هذه الصواريخ من عدمها لدى حزب الله يبدو أنّ إسرائيل راغبة في توزيع كلّ مواقع مستودعات هذه الصواريخ التي تدّعي أنّ حزب الله يملكها، مع العلم أنّ العدو الإسرائيلي يملك سبق التفوّق الجوي على الحزب وهو قادر على تدمير كل هذه المستودعات التي يدّعي كشف أماكنها بل وإلى أين هرّبها الحزب خلال الساعة الأولى لاندلاع أي حرب، ألم تدمر إسرائيل ترسانة من الصواريخ لحزب الله في الساعات الأولى لحرب تموز؟!
وأكذب ما ذكره بيان الجيش الإسرائيلي أنّ «إيران وحزب الله أنشأت هذا الموقع قبل سنوات بهدف تصنيع السلاح»، ليست المشكلة في إنشاء إيران وحزب الله هكذا منشأة، بل في أنّها أنشأت قبل سنوات، لماذا انتظرت إسرائيل كلّ هذا الوقت ولم تقصف هذه المنشأة، ألم تكن تقصف ليل نهار مواقع لإيران ومستودعات صواريخ لحزب الله في سوريا؟ ألم يكن حزب الله غارقاً حتى أذنيه ومعظم مقاتليه في الجبهة السوريّة، لماذا لم تتذكر إسرائيل هذه المنشآت إلا الآن؟!
لم يبقَ الكثير حتى 17 أيلول موعد الانتخابات الإسرائيليّة، وطبعاً أيّ عمليات ردّ من حزب الله هي خدمة ورفع حظوظ فوز بنيامين نتنياهو في الانتخابات، كذلك هذا الصراخ الإسرائيلي والتهديد حتى بقصف المدنيين اللبنانيين الذي سمعناه بالأمس «حرتقة» إنتخابيّة، نتنياهو شدّ عصب ناخبيه بالأمس بالحديث اكتشاف الجيش الإسرائيلي لمنشأة أخرى لحزب الله تصنع صواريخ دقيقة يمكن توجيهها، مباشرة إلى ضواحي مدينة حيفا»، لا نعرف إن كان قد بلغ نتنياهو أنّ حزب الله قصف حيفا بصواريخه حتى شبع في حرب تموز العام 2006، أو سمع بالمعادلة الشهيرة «حيفا مقابل الضاحية»، أو سمع بالمعادلة الأخرى «ما بعد بعد حيفا»، من يُريد أن يباغت عدوّه وأن يفاجأه في حربٍ ما لا يكثر من الثرثرة لا عن المعادلات ولا عن المنشآت أيضاً، في الواقع كلاهما إسرائيل وحزب الله يرتقبان ما ستسفر عنه الجهود المبذولة لوضع أميركا وإيران على سكة حوار، قال بالأمس عنها دونالد ترامب لدى سؤاله عن لقاء يجمعه برئيس إيران، أجاب «كلّ شي وارد»!