يوم انزلق «حزب الله» في الحرب السورية وبعد افتضاح مشاركته العلنية فيها من وقوفه إلى جانب النظام السوري ومساندته العسكرية، حاول في ذلك الوقت تغطية هذا التدخل بأنه محدود ولن يتجاوز حماية القرى الحدودية ولاحقاً المقامات المُقدسة حتّى آخر المعزوفة وصولاً إلى التورّط الذي هو عليه اليوم. يومها أشاع الحزب في أوساطه وبين بيئته، جملة روايات وأساطير من بينها أن الحرب هذه مُباركة مذهبيّاً ودينيّاً وبأنها إحدى أهم علامات «الظهور» كونها حدّدت طبيعة الجهتين المتصارعتين أي «المؤمنين» في مواجهة «التكفيريين».
منذ منتصف العام 2011 وحتى منتصف العام الماضي، تركّزت خطابات قيادات «حزب الله» حول المعنى الديني للحرب التي يخوضها الحزب في سوريا ووضعها في إطار رفع لواء الحق في مواجهة الباطل حتى انهم استعادوا روايات «الهية» من زمن حرب تموز 2006 حول عناصر أدارت الملائكة الحرب عنهم وشاركتهم في أكثر من واقعة، وهو الأمر نفسه الذي توعّدوا به «عدوّهم» في سوريا وسط تكرار عبارات «النصر المؤكد« وغير البعيد، حتّى أن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أطل أكثر من مرّة ليتحدّث عن قرب نهاية الحرب بنصر لرجاله وللمحور الذي ينتمي اليه وإنهاء الحالات «التكفيرية» في سوريا.
اليوم وبين الوعود السابقة واللاحقة، يجد «حزب الله» نفسه أكثر إحراجاً أمام البيئة التي يخطب بها النصر والحماسة، في وقت أصبحت الخسائر المتعددة والمتنوعة جزءاً من يومياته التي يوزّعها بين السياسة والعسكر وتخصيص جزء غير قليل من وقته للمناكفات الداخلية وتعطيل الإستحقاقات واللعب على الغرائز العصبية والمذهبية لتغطية الهزائم التي يُمنى بها وليس آخرها ضآلة الأصوات التي نالها في الإنتخابات النيابية والتي عبّرت عن تململ واضح داخل بيئة ما عادت تُقنعها روايات وأساطير «الظهور» و»الانتصارات» وهي ترى كيف أن أبناءها يعودون مُحملين بدمائهم وجروحهم وكيف أن كل هذه الوعود تتحوّل إلى بازار إنتخابي المُراد منها فقط زيادة الأصوات داخل الصندوق الإنتخابي.
في سوريا لا جديد بالنسبة إلى «حزب الله» سوى مزيد من الأزمات والنكبات، فخسارته لقياداته وعناصره تتعاظم وتتكاثر وتراجعه في أكثر من منطقة يزيد يوماً عن يوم ومعه بدأت علامات المُستقبل وآفاقه تُصبح أكثر من مُبهمة خصوصاً في ظل غياب الخطط التي من شأنها أن توضح ما يُمكن أن يرسو عليه عناصره وذلك وسط أسئلة أصبحت محل أخذ ورد بين جمهوره حول ما إذا كان هؤلاء العناصر سيمضون ما تبقّى من أعمارهم في سوريا، أم أنه يُمكن مُشاهدتهم ذات يوم وهم في منازلهم وبين عائلاتهم وأصحابهم؟
يشعر «حزب الله« اليوم أنه في أشد الحاجة إلى جمهور أصبح ينظر إلى قضايا حزبه على أنها تحصيل حاصل أو ربما هي أمر واقع، وهذا ما يظهر بشكل ملموس خلال المناسبات الحزبية التي لم تعد تحتشد فيها الأعداد نفسها كما كانت تفعل من قبل وتحديداً خلال المآتم ومراسم تشييع العناصر سواء في القرى أو في الضاحية الجنوبية. أيضاً هناك من يقول إن سبب الإحجام عن المشاركات، يعود إلى أن الموت أصبح بالنسبة إلى جمهور الحزب أمراً مفروغاً منه ولذلك وجب اليوم التغيير وإعلاء صوت المطالبة بتصحيح الخلل سواء في السياسة او في الحروب التي تُخاض باسمهم في أكثر من دولة، لا تعود عليهم سوى بالخراب والأذى الجسدي والنفسي والإجتماعي.
سياسة تعمية يُمارسها «حزب الله» بين جمهوره وأنصاره يسعى من خلالها إلى حرف الأنظار عن الهزائم التي بدأت تطبع مسيرته، فمرة يحمل لواء الدفاع عن المظلومين ومرة عن «المياومين» وأيضاً ملاحقته ملفي «النفايات» و»الإنترنت» وملفي «الإتجار بالبشر» و»الفساد» الذي هو جزء منه، وفي الوقت عينه يُريد ان يُحمّل هزائمه في سوريا إلى دول يتهمها بدعم «التكفيريين» وإخفاقاته في الداخل لجهات تعمل في خدمة «الصهيونية» تتآمر عليه وعلى مشروع «المقاومة». كل هذا يدل، لا بل يؤكد، أن «حزب الله» يُشبه إلى حد بعيد، ثائراً من دون قضية، أو مركباً تتخبطه الأمواج وتتقاذفه المصالح الدولية.
كل ما سبق يدفع أو يقود إلى السؤال التالي: وسط هذه المعمعة التي يغرق بها الحزب والضياع الذي يُلاحقه، هل ينتهي به الأمر ليصبح مُنظّمة مُنقسمة بين مكانتها الوطنية وهويتها كمقاومة مشوشة؟ وهل أن عصر «الظهور« الذي وعد به تبدّل بعصر «ضمور» الانجازات؟