Site icon IMLebanon

«حزب الله» يؤسس لتقسيم سورية

الكلام الذي جرى تسريبه على لسان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أثناء لقائه رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، من أن سقوط نظام بشار الأسد يعني سقوط «حزب الله» ومحور المقاومة لا يبدو بريئاً في توقيت صدوره ولا في مضامينه، وليس المقصود منه الرغبة في الدفاع عن نظام بشار الأسد، بل هو محاولة لتغطية تحركات الحزب في المرحلة المقبلة، في الساحتين السورية واللبنانية في بداية مرحلة تتسم بإعادة توزيع الأدوار والمواقع وترسيم الحدود.

نصرالله نفسه اعترف في التسريب المنسوب إليه باستحالة استعادة سيطرة النظام على سورية، كما أنّه يعرف بالوقائع والمعطيات أن قدرات إيران وإمكانات الحزب لم تعد تسمح بتحقيق مثل هذا الهدف، ولا بد من أنّه على اطلاع على تسريبات بدأت تتواتر من طهران حول مفاوضات تجريها على رأس الأسد شرط أن يتم الحفاظ على بعض مصالحها التي حصلت عليها كبديل من الديون التي دفعتها لنظام الأسد واحتفاظ الإيرانيين المجنّسين بجنسيتهم السورية.

على ذلك، فإن نصرالله استفاق على واقع جديد يدفعه إلى تعديل أهدافه في سورية واستتباعاً تجميع موارده بما يتناسب مع هذا التطور وهو بدأ يرتب لحصوله على جزء من الكعكة السورية في هذه الأوقات التي تتسم بالفوضى، وبالتالي يستثمر وجود الأسد كرئيس شرعي من وجهة نظره لتنفيذ أجندته القائمة على اقتطاع كامل القوس المحاذي للبنان من القصير إلى القلمون وريف دمشق الغربي وصولاً إلى القنيطرة، حيث توجد قواته في هذه المناطق، وهي مناطق قريبة من بيئة الحزب وقد جرى إفراغها سكانياً على مدار السنوات الأربع كما عمل «حزب الله» على تأسيس بنية له في بعضها بالاعتماد على السكان المحليين الموالين له، سواء في القصير من خلال تجنيده السوريين في القرى الشيعية أو في السفح الشرقي لجبل الشيخ في قرى حضر وحينة الدرزية من خلال تأسيس ما يسمى المقاومة السورية في الجولان.

نصرالله يؤسس نواة دولة له ربما في عملية استباقية لتقسيم المشرق والمنطقة، بخاصة بعد أن بدأ الحديث في شكل علني عن تقسيم العراق، ويستغل في ذلك حقيقة أن الحدود بين سورية ولبنان غير مرسّمة أو واضحة وفيها تداخلات كبيرة وهو بذلك يستطيع إسكات الأصوات اللبنانية المعارضة له بخاصة إذا ادعى أنه يستعيد أرضاً لبنانية ويمنع تهديداً مستقبلياً محتملاً في حال سقوط الدولة السورية، وبذلك يضمن «حزب الله» أيضاً تطويق لبنان كله جغرافياً من كل الحدود البرية وينصب نفسه القوة المقررة لمصير اللبنانيين.

الهدف الآخر للحزب هو جعل نفسه القوة المسيطرة على «الدول» السورية المقبلة، عقب سقوط الأسد، وذلك من خلال سيطرته على المرتفعات الاستراتيجية على طول القوس الممتد من جبل الشيخ في الجنوب حتى مرتفعات حمص في الغرب مروراً بمرتفعات القلمون التي تحاصر دمشق وغوطتيها الشرقية والغربية، وبالتالي وضع أي قوة من الممكن أن تظهر في هذا الحيز تحت سيطرته النارية وضمان بقائها ضعيفة ومحاصرة، ولعلّ الهدف الأكبر في هذا الترتيب وعملية القضم الجغرافية والاستلحاق الديموغرافي لسكان هذه المناطق، يتمثل في تحوّل الحزب إلى قوة إقليمية كبرى غير محصورة ضمن حيز جغرافي ضيق، وتملك مدى استراتيجياً واسعاً يصلها بالعراق من خلال ضم منطقة القلمون الشرقي، وبالتالي يمكنها تقاسم النفوذ مع إسرائيل في المنطقة مستقبلاً، انطلاقاً من هذه المعطيات وعلى أساس أن دولة الحزب بهذه المواصفات ستكون بديلاً لدولة الأسد.

الملاحظ أن «حزب الله» لا يتعاطى مع معركة القلمون بدرجة التوتر نفسها التي كان يتعاطى بها في السابق مع عملياته داخل سورية وعلى رغم الخسائر الأولية الكبيرة، فإن الحزب لا يُجر إلى ردود فعل موازية، وتفسير ذلك أن الحزب يفكر هذه المرّة استراتيجياً وبرؤية بعيدة المدى وبسبب قناعته أن حجم الهدف وضخامته يستحقان التضحية والتروي.

تتسق هذه الاستراتيجية مع توجهات إيران الحالية التي باتت تركز فقط على جزء من سورية وتحديداً المنطقة الممتدة من الساحل إلى حمص فدمشق مع بقاء طريق العراق مفتوحاً، كما تتسق مع استراتيجية إسرائيلية بدأت تطالب في شكل واضح بتقسيم سورية.

طالما ادعى المتحدثون باسم «حزب الله» في الآونة الأخيرة بأنه صار قوة إقليمية فاعلة، ولا شك في أن هذه الفرصة مناسبة في تقديرات قادته لترجمة هذا الأمر وتحويله إلى واقع عبر اقتطاع مساحات واسعة وحيوية من سورية وتطويع لبنان في شكل نهائي، لكن السؤال: هل تكفي موارد الحزب لإنجاز هذه المهمة؟ الأكيد أن معرفة النتيجة في المختبر السوري اللاهب ستحتاج إلى نزف كبير وحرب ستطول.