IMLebanon

خبرات «حزب الله» في سوريا «كاسرة لتوازن الردع»!

أنهت المقاومة مبكراً تقويمها لحرب تموز 2006 وقبل اعلان اسرائيل توصيات لجنة «فينوغراد» في كانون الثاني 2008. وقد تولى الحاج عماد مغنية (رضوان) شخصيا الاشراف على دراسة هذ التجربة بناءً على طلب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله.

«حزب الله» نفسه كان محل دراسة معمّقة عقب حرب تموز. من الكلية العسكرية الاميركية في «ويست بوينت» الى مختبرات التقنية في معهد «ماساشوستس»، لم تبق جهة اكاديمية او بحثية أميركية الا وتطرقت، بحسب اختصاصها، الى ظاهرة «حزب الله».

مئات الدراسات والأبحاث الأميركية والإسرائيلية منذ انتهاء حرب تموز 2006 حول التنظيم الذي صار إقليمياً: العلاقة مع إيران، العقيدة والسلوك، التكتيك وأنماط التفكير، البيئة الحاضنة، خريطة التحالفات.. وغيرها من العناوين التي بلغ التفصيل فيها حد البحث في كلفة إعداد المقاتل الواحد او طراز وحالة السيارات المنتشرة في بيئة الحزب.

في المقابل، كان التقويم العسكري والسياسي والأمني لأداء اسرائيل طوال الحرب محل اهتمام شديد لدى مؤسسات صناعة القرار الأميركية والغربية، فقدّمت محتوى غنياً لمن يقرأ ويبحث ويدرس.

في صبيحة الرابع عشر من آب 2006، انطوت صفحة «حرب لبنان الثانية» لينصرف الطرفان الى التجهيز للمواجهة المقبلة.

ظل ميزان الردع بين الحزب واسرائيل طوال السنوات الماضية رهن الفارق في الامكانات والتقدم النوعي التقني لدى الجيش الاسرائيلي، فكانت تل أبيب تقيس هذا الميزان بالنظر الى تعاظم قدرات الحزب. هذا ما يفسر حديث المسؤولين الاسرائيليين المتعاقب عن الخطوط الحمراء في حيازة «حزب الله» لسلاح «كاسر لتوازن الردع».

ولعل اشكالية اي سلاح «كاسر لتوازن الردع»، في كونه يصوب باتجاه المدماك الثالث في عقيدة الأمن القومي الاسرائيلية بتقليص الهوة في قدرة عدو اسرائيل في ايذائها والاضرار بها كما تفعل هي.

منذ بدء الحرب في سوريا، يراكم «حزب الله» خبرات غير مسبوقة باتت تشكل جرس انذار لدى المؤسسة العسكرية الاسرائيلية التي واجهت في السنوات الماضية انخفاضا في ميزانيات الجيش. انسحب هذا الانخفاض على عناوين حساسة كـالمناورات السنوية، او خطوط تطوير تقنيات عسكرية يرى فيها الجيش حلولا محورية كـ «القبة الفولاذية» وتصفيح «الميركافا» من الجيل الثالث.

يمكن تصنيف الخبرات المكتسبة لـ«حزب الله» في سوريا ضمن البنود التالية:

ـ للمرة الأولى يخوض مقاتلو «حزب الله» حرباً هجومية الطابع لا دفاعية فقط، مع ما يعني هذا الأمر من اكتساب خبرات على صعيد القتال بدءاً من انتقاء الأسلحة المناسبة للحملات التقليدية كما في حرب العصابات (يتعلم «حزب الله» في سوريا النوعين بسبب العنصر الروسي وطبيعة الخصم)، الى تحديد الاطار الزمني الملائم بدقة لتحقيق اهداف العملية فتنسيق مصادر الاستخبارات المتوافرة كافة، ناهيك عن القدرات التي حازها في هذه النقطة تحديدا عبر حرب تموز 2006، وهو ما يفسر كلام السيد نصر الله مؤخرا حول حجم المعلومات التي بات يمتلكها الحزب عن اسرائيل ونقاط ضعفها.

ـ لطالما اتسمت عقيدة «حزب الله» القتالية بإطالة أمد المعركة بغية استنزاف العدو، ولكن التمرس في العمليات الهجومية يتطلب تحقيق العكس تماما؛ أي الحسم بفترات زمنية قصيرة. هذه الميزة اختبرها الحزب على جبهات عدة في سوريا، وإن كانت صغيرة الحجم نسبيا. كلام الامين العام لـ «حزب الله» الذي صار معروفا باحتمال الدخول الى الجليل يؤشر بوضوح الى نقلة نوعية في العقيدة القتالية للمقاومة، ومناورات اسرائيل الأخيرة تحديدا تحاكي هذا السيناريو.

ـ تعزيز خبرات القيادة والتحكم والتنسيق بين القوات الهجومية على اختلاف اختصاصاتها. لطالما تميز «حزب الله» بقدراته في مجال القيادة والسيطرة، غير ان ظروف الميدان السوري الشديدة التعقيد تتيح له خبرات وتجارب نوعية في هذا المجال، بدءا من الأخذ في الحسبان أنواع الأسلحة التي قد يحتاجها المقاومون في المعركة تبعا للظروف المتغيرة والطارئة إلى تحديد أهداف تكتيكية خلال المعركة وحتى الحفاظ على طرق الإمداد اللوجستية وخطوط الانسحاب عند الحاجة.

ـ من المؤكد أن «حزب الله» يطّلع على منظومات تسلح حديثة وجديدة في سوريا بحوزة القوات المقاتلة إلى جانبه. وهو بالتأكيد قد اختبر الضروري منها. العديد من الأنواع والأسماء في قائمة الأسلحة والمعدات هذه تثير قلق إسرائيل منذ ما قبل دخول الحزب إلى سوريا.

ـ تفيد التجربة الأميركية والإسرائيلية مع «حزب الله» أنه لا يتوانى عن نقل خبراته إلى حلفائه من الجماعات المصنّفة «إرهابية» أو مناوئة في فلسطين والعراق. بهذا المعنى، فإن اكتساب الحزب خبرات جديدة يفضي إلى اكتساب حلفائه أيضا لخبرات نوعية، ولا تعدو المسألة مسألة وقت قبل أن تظهر مرة جديدة بصمات «حزب الله» في ساحات المواجهة المختلفة.

ـ إن مشاركة «حزب الله» بحد ذاتها في الحرب الدائرة في سوريا إلى جانب قوات حليفة متنوعة توسع من أفق الحلول المبتكرة التي يلجأ إليها عادة قادة المقاومة؛ أصحاب الأرض عند الجبهة الشمالية لإسرائيل.

عودٌ على بدء، سعت إسرائيل ـ وتسعى ـ إلى جمع المعلومات بالأساليب كافة حول قدرات المقاومة. يفعل «حزب الله» الأمر نفسه منذ نشأته عبر أجهزة مختلفة تعمل بحرفية عالية.

بالتوازي مع سباق المعلومات حول «بنك الأهداف» لدى الطرفين، هناك معطىً نوعي بات محل شكوى وتذمر لدى ضباط الرتب الوسطى في الجيش الإسرائيلي: «مقاتلو حزب الله يكتسبون يومياً خبرة قتالية في الميدان السوري لا يكتسبها جنودنا هنا».