«المنظومة الإعلامية» لـ»حزب الله» منزعجة. هجوم واسع وعنيف على «التحالف الإسلامي» الذي أعلنت السعودية ولادته لـ»محاربة الإرهاب». لم يكتفِ المنزعجون من التحالف الجديد باستنكار ورود اسم لبنان في قائمته وحسب. هذا اللبنان الذي طالب القائد العام للحرس الثوري محمد علي جعفري، بإلغاء حدوده والحدود السورية والعراقية، من دون أن نسمع استنكاراً واحداً من «الحريصين الجدد» على السيادة اللبنانية. بل تجاوزوا ذلك الى حد التهديد بمزيد من الانقسامات والازمات الداخلية. فلماذا ينزعج «حزب الله« ومَن خلفه مِن التحالف الإسلامي بوجه الإرهاب؟ واذا كان «حزب الله« يرى في «داعش« تهديداً «وجودياً» على شعوب المنطقة أكبر من التهديد الإسرائيلي نفسه(!) فلماذا ينزعج هذا المحور من قرار اتّخذته شعوب المنطقة بمحاربة هذا «الخطر الوجودي» بنفسها؟
لا يمكن أن يتجاهل أحد مركزية قضية «محاربة الإرهاب» في صناعة السياسة العربية والإقليمية والدولية. كما لا يمكن تجاهل أن إيران «تلقّطت» بقضية محاربة «التنظيمات التكفيرية»، أقلّه إعلامياً، وتاجرت بها سياسياً، وبَنَت على أساسها بعض المكاسب التوسّعية الآنية في سوريا والعراق واليمن. استثمرت إيران في «داعش» الذي كبر أو تمّ تكبيره بسرعة البرق. «في ليلة ما فيها ضو قمر»، رمى جيش المالكي سلاحه وفرّ من الموصل والمناطق السنيّة العراقية التي احتلها «داعش» من دون مواجهات تذكر، في عملية ظهرت وكأنها «تسلّم وتسليم». تمدّد «داعش» في سوريا بعد أن كرّس محور ما يسمى «المقاومة والممانعة» حربه على «الثوار المعتدلين» حصراً. ما من فصيل مسلّح على الأرض السورية لم يخض معركة مع «حزب الله« والميليشيات المذهبية الإيرانية باستثناء «داعش»، في حين ان هذا التنظيم الإرهابي يستأثر بكل الحشد والتجييش في إعلام وخطابات قادة «الممانعة». الشواهد كثيرة. اقتحم «داعش» مدينة تدمر من دون معارك تذكر ومن دون أن يحظى لاحقاً بنصيب من براميل البارود. يصل التنظيم الإرهابي الى مناطق نفوذ الثوار، التي لا يسمح النظام بدخول الماء والهواء إليها في شرق حلب ومخيّم اليرموك والقلمون، عبر طريق خاضع لسيطرة النظام وحزب الله، ولا يقع أي اشتباك.
اتّضحت حقيقة المشروع الإيراني، وبدا أن هناك من لا يريد محاربة «داعش»، بل يريدها فزاعة تُرعب الغرب من «الإرهاب السنّي»، ليتاجر بها وليبيعها للمسيحيين محلياً وللمجتمع الدولي، علّه يستدرج عروضاً لتوكيل إيران بدور «شرطي المنطقة». لاحقاً تكشّفت الحقيقة بشكل أوضح. عقب إعلان الولايات المتّحدة عن إنشاء تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، شكّكت إيران بجدواه، لأن «الجو لا يُنهي ظاهرة داعش الذي لا بدّ أن تقاتله قوات على الأرض»، يقول مسؤولون ايرانيون، يومها، عرضت طهران محاربة «داعش« على الارض العراقية بغطاء جوي أميركي، على ان تلعب طهران دور «شرطي المنطقة». بدأت العمليات الايرانية من خلال ميليشيا «الحشد الشعبي» بغطاء جوي أميركي، وظهرت صور قاسم سليماني وهو يقود العمليات على إحدى الجبهات. وحين فشلت طهران بحسم المعركة، اتّهمت إيران واشنطن والمجتمع الدولي بـ»التلكّؤ». السيناريو نفسه عاد ليتكرّر في سوريا. دخلت روسيا الحرب وتلقّت عرضاً إيرانياً: «نواجه الإرهاب على الارض بغطاء جوي روسي».. قبل أن تبدأ نعوش ضباط الحرس الثوري بالوصول الى طهران بشكل يومي. حتى إن سليماني الذي ظهر في بلدة «العيس» في ريف حلب الجنوبي، أصيب بجروح (بحسب مواقع إيرانية رسمية) واسترجع «جيش الفتح» البلدة والعديد من البلدات المجاورة.
هنا، دخلت المملكة العربية السعودية على خط النقاش الدولي حول كيفية محاربة الارهاب، وأعلنت أمس الأول نشوء تحالف بمشاركة 35 دولة بينها لبنان، وإن كان المثلّث السعودي-التركي-الباكستاني المتين يشكّل قاعدةً وأساساً لهذا التحالف. فما هي أهميّة هذا المولود الجديد، وما هي أهدافه؟
1 ـ الدول الاسلامية، والسنيّة تحديداً، تشعر بأنها المعني الأول بمحاربة الارهاب الذي شوّه عقيدتها وعلاقتها بالمجتمعات والأديان الأخرى.
2 ـ سحب بساط «محاربة الإرهاب» من تحت أقدام إيران، وتقديم بديل موثوق لمحاربة التكفير بكافة أنواعه. فالعالم يبحث عن جيش يحارب الإرهاب ويحد من مخاطره المستقبلية على الدول الغربية، بينما تستغل طهران عنوان «الحرب على الارهاب» لتحقيق أهدافها التوسعيّة.
3 ـ الحد من تمدّد الإرهاب في المناطق السنيّة، بعد أن بات كثيرون في هذا الشارع يفضّلون ظلامية البغدادي على وحشية العصابات المذهبية الإيرانية، حيث كان الإجرام الإيراني أكثر تسبباً في تضخم «داعش«.
4 ـ محاولة إبطال الدور الأمني لإيران التي قدمت نفسها للعالم كـ»شرطي المنطقة» في مواجهة «الارهاب السنّي»، وفرملة مساعيها بتحويل أذرعها المسلحة في المنطقة من ميليشيات مذهبية تقتل باسم الدين الى جيش منظم يقوم عليه النظام الاقليمي المرتقب، ويحظى بشرعية دولية لمحاربة الإرهاب.
5 ـ الحد من التوسّع الإيراني الذي حققه «الأكاسرة الجدد» باسم مواجهة الارهاب، حيث سيطروا على العراق وأنشأوا ميليشياتهم الخاصة بحجة مواجهة «داعش«، ودخلوا الى سوريا وأسّسوا ما يعرف بـ»حزب الله السوري» ودعموا اللجان الشعبية وميليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية، وموّلوا وسلّحوا الحوثيين ومجموعات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في اليمن.
دخلت السعودية وعشرات الدول الأخرى رسمياً على خط محاربة الإرهاب. التحالف أزعج «حزب الله«، الذي من المتوقع أن تُصدر كتلته النيابية اليوم موقفاً تصعيدياً منه، كما أقلق إيران وعموم محور الممانعة. فالتحالف الإسلامي الجديد، لا يسحب البساط من تحت أقدام إيران فحسب، بل يعزز مكانة السعودية الاقليمية والدولية لتصبح شريكاً كاملاً في كافة القضايا. والمسألة الثانية التي تخشى طهران منها، هي في إمكانية أن يتحول هذا التحالف مستقبلاً ضد أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن بعد الانتهاء من «داعش»، باعتبار أن بعض هذه الأذرع مصنّفة «منظمات ارهابية» على القوائم السعودية والعالمية. وأكثر ما قد يزعج طهران، هو أنها باتت ترى في «التنابل والكسالى والفاشلين»، كما وصفهم الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، منافسين حقيقيين لدولة توهّمت أنها يمكن ان تسيطر على المنطقة «على طريق القدس»!