الكلام الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن التمويل الإيراني المباشر لحزبه٬ ذكرني بهتافات ملأت سماء طهران قبل سبع سنوات. فحينها لم يكن هتاف «الموت للديكتاتور» الوحيد الذي صدح في الشوارع ضمن حركة احتجاج عام ٬2009 قبل أن تسحقها بقسوة قوات الأمن. فقد ردد حينها المتظاهرون شعارات تتعلق بالحريات والعيش بكرامة٬ ومن بين ما رفع عبارات «لا غزة ولا لبنان٬ حياتي لإيران». كانت تلك شرارة الرفض العلني المحلي الأول للدعم المالي والعسكري لحزب الله ولحركة حماس. يقال إن المرشد الإيراني علي خامنئي قد غضب شخصًيا من تلك الشعارات تحديًدا٬ وكان هذا أحد العناوين التي أرادت حركة القمع الشديدة التي مورست أن تضبطه. وفعلاً تم قمع حركة الاحتجاج فقتل من قتل٬ واعتقل المئات٬ وأعدم العشرات وفُرض تعتيم كبير ومنعت وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد٬ وبات أي عمل إعلامي خصوًصا الإلكتروني خاضًعا لرقابة مشددة. واليوم يأتي الكلام المباشر لنصر الله عن تمويل الحزب من إيران٬ خاتًما جملته بـ«طالما تملك إيران المال فنحن نملك المال» ليعيد إلى الأذهان احتجاجات الأمس والمعاني التي حملتها في هذا الوقت بالذات الذي يعيشه الداخل الإيراني.
فقضية تمويل حزب الله السخي من قبل إيران٬ ومعه مجموعات مسلحة أخرى كحركة حماس ومجموعات المقاتلين اليوم في سوريا٬ وما تستنزفه من أموال إيرانية٬ في حين يعاني الإيرانيون من ضغوط اقتصادية أتت متزامنة مع قضية ضّج بها الرأي العام الإيراني٬ وهي حجم ارتفاع مرتبات موظفي الدولة الكبار. فقد تم تسريب قسائم دخل لمجموعة من موظفي الدرجة الأولى٬ والتي أظهرت تضخًما كبيًرا٬ مقارنة بمعدل مرتبات موظفي القطاع العام. أعادت هذه القضية التي انشغل بها الرأي العام الإيراني الأنظار إلى الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها الشعب٬ والتي يصعب أن يتم عزل كلام نصر الله عن تمويل مباشر٬ وهو حتًما ضخم من إيران٬ عن سياقها. صحيح أن لمس ذلك ليس سهلاً في بلد يحظر النقاش الحر٬ ويمنع وسائل التواصل الاجتماعي٬ لكن تعليقات بدأت تطفو خصوًصا في أوساط المعارضين في الخارج أو في أوساط من تمكنوا من خرق الحظر الداخلي٬ ووضع تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو ما هو متاح منها.
وهنا لا بد من التوقف عن المباهاة التي كّررها نصر الله في أسبوع واحد حول «السخاء» الإيراني٬ وهي مباهاة لا تنسجم مع النتائج الهزيلة التي حققها الاتفاق النووي لطهران لجهة إحداث انفراجة بين النظام وبين العالم٬ خاصة على الصعيد الاقتصادي. فالشركات العالمية لم تتوجه إلى طهران٬ والعالم ما زال حذًرا من اقتصاد تمسك به زمرة أمنية٬ وتوزع ريوعه على جماعات مثل حزب الله. تمويل حزب الله سيبقي الاقتصاد الإيراني خارج الدورة الاقتصادية الطبيعية٬ وهذا أمر لن يتمكن القمع الإيراني من ضبط آليات الاحتجاج عليه مهما خنق الإعلام.