جُمل ومُصطلحات جديدة يبتكرها «حزب الله» تُضاف إلى قاموسه التخويني وإلى خطابات قياداته التجييشيّة، يرمي من خلالها إلى تأزيم الوضع الداخلي وإشعال فتيل الفتنة المذهبية في البلد، ان من خلال قلبه للوقائع والحقائق وتحويرها بشكل يخدم مصالحه، أو من خلال رفع المسؤولية عن نفسه وإلصاقها بمن يُفترض أنّهم خصوم سياسيون له لا أعداء كمحاولة اتهامهم بدعم الإرهاب وتغطيته تحت مُسمّى «خيمة الإرهاب».
«خيمة الإرهاب»، آخر إبتكارات ومُفردات «حزب الله» التي استعملها أمس الأوّل نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق في معرض تحميله قوى «14 آذار» مسؤولية تعطيل البلد وتحميلها تداعيات «استمرار عدم تنظيم انتخابات الرئاسة»، وقد تناسى قاووق الذي تحدّث أيضاً عن التحريض المذهبي وهو الذي افتتح حزبه الحرب في سوريا بشعار حماية «المقامات«، كلام نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم «إمّا النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وإما لا إنتخابات رئاسية».
في السياسة، ماذا يعني ان يقول قاووق «تحت خيمة الإعتدال، يراد أن يبقى التكفيريون خنجرا في خاصرة الجيش والشعب والمقاومة، وأن من يدّعون الإعتدال يمعنون في إضعاف لبنان في مواجهة العدوان التكفيري»؟ من الواضح أن الأزمة التي أوقع الحزب نفسه فيها، قد تدفعه في مكان ما إلى إسقاط الهيكل على رأسه ورؤوس المُعترضين على تدخّله في الحرب السورية سواء من داخل طائفته أو خارجها، فما الكلام عن «إدعاء» الإعتدال سوى مؤشّر واضح بأن جلسات الحوار التي يُجريها «حزب الله» مع قوى الإعتدال في لبنان هي تقطيع للوقت ريثما يتمكّن من تحسين وضعه المتأرجح في سوريا وتحصين نفسه بواقع مذهبي مُتشدّد استُكملت بشائره بالهجوم من تحت «خيمة الإعتدال» وما تحمله من أبعاد في طيّاتها.
«ملاذنا الدولة وخيارنا ان نعيش في الجمهورية اللبنانية، نلتزم دستورها وقوانينها وقواعد العيش المشترك بين ابنائها، وأي خيار آخر هو قفزة في المجهول ورهان على احلام ابليس في الجنة«. جملة قالها قطب رئيسي وأساسي في قوى الإعتدال في لبنان الرئيس سعد الحريري. لكن في المقابل، يبدو أن اطماع إبليس قد تخطّت الحلم بالجنّة حتّى وصلت إلى حب الهيمنة على الدنيا والآخرة معاً، ففي الأولى لا يترك أرضاً إلّا وينغمس فيها ويُشرّد أهلها ويستبيح دماء أبنائها، أمّا الثانية، فبرأيه هي تحصيل حاصل وذلك ضمن معتقدات مستوردة لطالما تحدّثت عن «مفاتيح الجنّة» وتراخيص دخولها الممنوحة لفئة مُحدّدة من الناس.
يصح القول أن لا مكان لكلمة اعتدال في معجم «حزب الله»، فالكل عنده يندرج في سلّة واحدة، وطالما أن قيادته نزّهت نفسها وعناصرها عن أي خطأ حين رفعت عدداً من كوادرها إلى مصاف «القديسين» ووصفت جمهورها بأشرف الناس دون أبناء الوطن الواحد، يجوز القول أن الحزب قد وضع كل اللبنانيين أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا الذهاب معه إلى الحرب ومُشاركته في حمّامات الدماء التي يرتكبها الى جانب النظامين الايراني والسوري، وإلّا فإن وقع الحد على كل من يُخالفه الرأي جاهز للإصدار تحت أحكام «الخيانة» و»العمالة» والإرتهان» مروراً ببقيّة مُصطلحات المُتاجرة والتحريض المذهبي.
أزمات «حزب الله» قد تدفعه في لحظة ما إلى الإنقلاب للمرّة العاشرة رُبّما على أبناء وطنه، إذ إن عجزه عن تحقيق تقدّم سياسي او عسكري ملموس في ميادينه التي يخوضها بات ينعكس بشكل سلبي على أداء قياداته وخطاباتها وهذا ما ظهر بشكل واضح من خلال إطلاق تهديدات لم تبدأ بـ»حساب» النائب محمد رعد، ولن تنتهي لا بـ»خيمة» قاووق ولا بالإكتفاء بالتضحية بشُبّان لبنانيين استرخصت دماؤهم في «القصير» وها هي تُستكمل اليوم في «القلمون» و»الزبداني»، والله أعلم في أي أرض سوف تُستنزف دماء البقيّة غداً.