IMLebanon

«حزب الله» سيتخلّص من الحكومة… بعد حين

 

لا تهديد رئيس الحكومة تمّام سلام بالاستقالة جدّي ولا تحذيرات الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله. فالرَجلان «يلعبان سياسة» لا أكثر. لا سَلام سيَستقيل مهما «عذَّبوه». ولا وزراء عون سيستقيلون مهما «شاكَسوا». ومَن جاءَ بالحكومة هو وحدَه القادر على الذهاب بها.

للإجابة عن السؤال: هل تسقط حكومة سلام؟ يَجدر أوّلاً طرح سؤال آخر: لماذا أسقَط «حزب الله» حكومةَ الرئيس نجيب ميقاتي، مع أنّها كانت نموذجية له؟ ولماذا استعاضَ عنها بحكومةٍ تَكارَمَ فيها كثيراً على «المستقبل» وسائر 14 آذار، من رئاستِها إلى وزاراتها الأساسية؟

فـ«الحزب»، عندما بلغَ ذروةَ «تحكُّمِه» بالقرار السياسي، أسقطَ حكومة الرئيس سعد الحريري وأقامَ الحكومة الميقاتية. ولاحقاً، اكتشفَ «الحزب» أنّه في مأزق يَستدعي منه الاستعانة مجدّداً بالحريري تحت سقف حكومة واحدة.

وأبرزُ أهداف «الحزب» لتشكيل الحكومة السلاميّة هي الآتية:

1- مواجهة التنظيمات السنّية المتشدِّدة التي نقلت معركتها معه إلى لبنان، كطرابلس وعرسال وعبرا، وباشرَت عملياتها الانتحارية في الضاحية وبعلبك.

2- الحصول على تغطية عربية وإسلامية مفقودة لدورِه، وترميم صورتِه التي اهتزّت مِن جرّاء الحرب في سوريا وتداعيات «أزمة السلاح» في لبنان. فـ«الحزب» أراد أن يقول للعالم إنّه ليس حزباً إرهابياً، بل هو شريك في الحرب على الإرهاب.

3- الحفاظ على الحدّ الأدنى من الحوار السنّي – الشيعي، ولو شكلاً، منعاً لانتقال الشرارة المذهبية السوريّة إلى لبنان.

4- يَحتاج «الحزب» إلى استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي داخلي، وغطاء دستوري، لمواصلة حربه السوريّة. وهذا ما وفّرَته الحكومة السلاميّة التي تغاضَت تماماً عن مشاركة «الحزب» في الحرب السوريّة وأقفلت الحديث عن «السلاح غير الشرعي» حتى إشعار آخر.

في اختصار، أراد «حزب الله» تعويمَ المعادلة التي كانت قائمة مع «المستقبل» أيام الرئيس رفيق الحريري، في الزمن السوري: لكُم رئاسة الحكومة وما تطلبونه، ولكن دعوا جانباً مسائلَ الوجود السوري والأمن. إنّها حصراً لنا.

إذاً، ليس «حزب الله» في وارد إسقاط الحكومة، ما يَجعله وحدَه، في مواجهة الانعكاسات الخطرة للحرب السوريّة عليه وعلى التركيبة اللبنانية، والترَدّدات الإقليمية والدولية.

وفوقَ ذلك، يدرك «الحزب» أنّ حكومة سلام هي الأخيرة الممكنة دستورياً ما لم يُنتخَب رئيس جديد للجمهورية. فإذا استقالت، سيتعَذّر إصدار المراسيم الخاصة بقبول استقالتها وإجراء الاستشارات الملزمة وتسمية الرئيس المكلَّف وتأليف حكومة جديدة.

فكلّ هذه الآليّات تستلزم وجودَ رئيس الجمهورية. ولا يمكن الحكومة المستقيلة، هنا، أن تمارسَ صلاحيات الرئيس بالوكالة. ولذلك، ستَعني استقالة الحكومة الحاليّة، في غياب رئيس الجمهورية، سقوطاً كاملاً للمؤسسات الدستورية التنفيذية والتشريعية، أي سقوطاً للبَلد برُمَّتِه.

وهذا ما قصَده السيّد نصرالله في كلامه الأخير على احتمال استقالة سلام. فهو يدرك تماماً حجمَ الكارثة المتوقّعة. كذلك يدرك أنّ هذه الحكومة هي خطّ أحمر دولي ممنوع تجاوزُه، لأنّها ضمان استمرار الحدّ الأدنى من السلطة التنفيذية.

ويَعرف نصرالله أنّ سلام ليس مِن النوع المتهوِّر والمتحدّي للإرادة الدولية، ولذلك هو سيَصبر كثيراً جداً ولن يستقيل. وفي أيّ حال، هو يستقيل أمام مَن… إذا أراد أن يفعل، وإلى أيّ حدّ ستكون الاستقالة سليمة دستورياً؟

والأرجَح أنّ «حزب الله» يقف أمام لعبة سياسية ذات أبعاد محضِ داخلية بين عون ورئيس الحكومة و»المستقبل»، وهو لا يجد غضاضةً في أن يشاركَهم اللعبة ما دامَت محصورة، ولا تصل إلى إسقاط الحكومة التي ما زال يَحتاج إليها كإطار دستوري، وسيُبقي الحوارَ مفتوحاً مع «المستقبل» مهما حصَل داخلياً وإقليمياً.

لكنّ «الحزب» لن يمنعَ حليفَه المسيحي عن «الشغَب» داخل الحكومة إلى حدِّ شَلِّها، ولكن مِن دون إسقاطها دستورياً بالاستقالة. فلا بأس بأن يتلهّى «المستقبل» بالتفاصيل مع الفريق المسيحي، ويُتاح لـ»الحزب» أن يَظهر في دور «أرفع» وهو «الوسيط المسؤول لِما فيه صلحةُ البلد»… على رغم نفيِ السيّد نصرالله قيامَ «الحزب» بدور الوسيط.

وسيَلتزم «الحزب» هذا الموقف حتى تتغيَّر المعطيات. فعندئذٍ، سيبادر إلى إسقاط الحكومة دستورياً، بالاستقالة. وهذا الخيار سيكون وارداً عندما يجد «الحزب» أنّ الظروف قد نضجَت للمؤتمر التأسيسي الذي ينادي به.

وهذه الظروف مربوطة بمسارَين إقليميَين استراتيجيين:

– الأوّل عسكري، وهو الخرائط التي ستفرزُها الحرب في سوريا.

– الثاني سياسي، وهو رجَحان الكفّة في كلّ دولة من دوَل المنطقة لمصلحة المحور الإيراني أو لمصلحة خصومه.

وهذه الظروف آتية، عاجلاً أو آجلاً.