IMLebanon

حكومات “حزب الله” وعهد الوصاية عنوان الفشل والإنهيار

 

 

هل تشذّ حكومة الرئيس حسّان دياب عن القاعدة التي سارت عليها الحكومات التي تشكّلت بإرادة “حزب الله” بعد العام 2005 وبقوّة عهد الوصاية السورية منذ العام 1991؟ وهل تحيد عن درب الفشل الذي سلكته والنهايات السيئة التي بلغتها؟ هل استهلكت هذه الحكومة فترة السماح التي أعطيت لها أم أنها لا تزال تعتبر أنها في بداية طريق طويل؟

 

لم تُحدث حكومة الرئيس حسان دياب بعد الصدمة الإيجابية التي جاءت لأجلها من أجل بدء مسار الخروج من الأزمة التي أوصلتها إلى الحكم. باستثناء ما يحصل في موضوع مكافحة فيروس كورونا يبدو أن الحكومة عاجزة حتى اليوم عن القيام بأي مبادرة وعن اتخاذ أي خطوات إنقاذية. أكثر من ذلك ذهبت في اتجاه فتح معارك جانبية وتحميل المسؤوليات للحكومات السابقة ومن توالى على السلطة منذ ثلاثين عاماً. وبدلاً من أن تبحث عن مخارج للمشكلة المالية والسياسية ذهبت في اتجاه إحداث التغيير في هرمية ووظيفة القطاع المصرفي ومصرف لبنان وكأنها تريد أن تنفذ انقلاباً على النظام الإقتصادي الذي طالما كان ميزة لبنان.

 

وزراء غائبون

 

باستثناء ما تقوم به وزارتا الداخلية والصحة لا يسجل للحكومة أنها قامت بما عليها. ثمة وزراء لا يمكن تذكّر أسمائهم ولا النشاطات التي يقومون بها وكأنهم أسماء بلا حقائب وحقائب بلا أسماء. لا يكفي أن يقيم رئيس الحكومة في السراي لكي يعطي صورة عن الجدية في العمل. ذلك أن الأعمال والإجتماعات إذا لم تقترن بالأفعال تبقى مجرد ساعات ضائعة في الزمن.

 

على عكس قوى 14 آذار بادر “حزب الله” أكثر من مرة إلى تشكيل حكومات من طرف واحد ولكن دائما كانت النتائج مخيّبة. هذا المسار لم يسلكه الحزب وحيدًا بعد العام 2005 بل انتهجه عهد الوصاية منذ العام 1991 مع حكومة الرئيس عمر كرامي الأولى. وهي لم تكن المحاولة الأولى. بدأ هذا المسار مع فرض حكومة الوحدة الوطنية على عهد الرئيس أمين الجميل في ربيع العام 1984 بعد مؤتمري جنيف ولوزان وبعد انعطافته من الإرتكاز على الدعم الأميركي إلى فتح خط التواصل مع رئيس النظام السوري حافظ الأسد ليضع حدا بذلك لعهود حكومات الرئيس شفيق الوزان منذ العام 1980 حتى العام 1984 التي كانت خط التواصل مع عهد الرئيس الياس سركيس.

 

حتى عندما اختار الرئيس أمين الجميل نقل السلطة إلى حكومة الرئيس ميشال عون في نهاية عهده وبعد فشل تأمين انتخاب رئيس للجمهورية خلفًا له فرض النظام السوري حكومة أخرى برئاسة الرئيس سليم الحص الذي أتى به الرئيس سركيس من القطاع المصرفي والأكاديمي في العام 1978 ليتحوّل بعدها إلى معرقل للرئاسة وخياراتها بحيث بدا أنه أقرب إلى الخيارات السورية.

 

 

الحص ليس بديلاً

 

وصول الرئيس رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة في العام 1992 لم يكن استثناء. فقد انقلبت دمشق قبله على حكومة الحص الأولى في عهد الرئيس الياس الهراوي وأمّنت ترئيس عمر كرامي للحكومة الثانية ولم تكن تنتظر أن تسقط هذه الحكومة في الشارع في 6 أيار 1992. بعد هذا السقوط لم يتراجع النظام السوري بل ذهب إلى تنفيذ انقلاب كامل من خلال حكومة الرئيس رشيد الصلح وفرض انتخابات العام 1992 والإتيان بمجلس نوابٍ موالٍ له.

 

في بداية عهده الحكومي بدا الرئيس الحريري أسير هذه المعادلة السورية. وإن كان استمر في السلطة حتى العام 1998 فإنه واجه محطات فُرضت عليه ومنها حلّ حزب “القوات اللبنانية” واعتقال رئيسه الدكتور سمير جعجع ومرسوم التجنيس الشهير الذي أخلّ بالتوازن الطائفي والإنتخابي. من موقعه سعى الرئيس الحريري إلى التمديد للرئيس الهراوي في العام 1995 محاولًا تأجيل كأس وصول العماد أميل لحود إلى قصر بعبدا. ولكن هذا التأجيل لم يكن إلا مرحلياً. في تشرين الثاني 1998 تحقّق هذا الخيار السوري.

 

في لقائه السرّي الأول مع الأسد الأب توجّه لحود إلى دمشق وعرّج على مقر المخابرات السورية في عنجر واصطحب معه اللواء غازي كنعان ومعًا التقيا الأسد. تقول الروايات أن الأسد أكد على لحود التعاون مع الحريري وأن لحود كان متحفظاً وأن الأسد طلب من كنعان أن يقنعه بهذا الخيار في طريق العودة. ولكن يبدو أن من بدأ يمسك بالقرار في دمشق في تلك المرحلة كانت مجموعة بشار الأسد المحيطة بقرار الأسد الأب. وعن طريق تجيير الأصوات النيابية لرئيس الجمهورية في تسمية رئيس الحكومة المكلف اختار الحريري الخروج وعاد الحص إلى السراي.

 

خلال عامين كانت تجربة تلك الحكومة مخيبة وصادمة سلبيا. بدل أن تحقق ما أراده عهد الوصاية من خلال التحكم بالحكم اللبناني وبالحريري انقلبت الأمور رأسا على عقب وعاد الحريري بقوة الإنتخابات النيابية إلى السراي. بعد أربعة أعوام كان يضطر إلى الإعتذار ليعود الخيار إلى عمر كرامي. أيضا كانت تجربة فشل جديدة.

 

اعتذار الحريري أتى بعدما كان مجلس الأمن الدولي أصدر القرار 1559 الذي طلب انسحاب الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح “حزب الله” وتأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري ووفق ما يقتضيه الدستور. وأتى الإعتذار أيضًا بعد محاولة اغتيال النائب مروان حماده وبعد تهديد الأسد الإبن للحريري.

 

الفشل المتكرّر

 

اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005 أيضًا أعطى نتائج معاكسة. بدل أن يمسك النظام السوري و”حزب الله” بالوضع أمنياً وسياسياً انقلب السحر على الساحر مع انتفاضة 14 آذار. تلك الإنتفاضة فرضت، وفي ظل مجلس نواب تدين أكثريته للنظام السوري، استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي ومنعت إعادة تسميته وجعلت خيار الحكومة الإنتقالية برئاسة نجيب ميقاتي المعبر نحو انتخابات ربيع العام 2005.

 

على رغم أن قوى 14 آذار حصدت الغالبية النيابية في تلك الإنتخابات إلا أنها لم تذهب إلى حكومة اللون الواحد. بأساليب غير ديموقراطية نفّذ “حزب الله” انقلابًا ضدّ الحكومة التي ترأّسها الرئيس فؤاد السنيورة فحاصر السراي الحكومي وأنزل الناس إلى الشارع وسحب الوزراء الشيعة منها ولكنّها بقيت. بعد انتهاء عهد الرئيس أميل لحود وبعد أشهر من الفراغ نفّذ الإنقلاب العسكري الكامل في 8 ايار 2008 وفرض الذهاب إلى الدوحة للخروج بتسوية تقلب موازين القوى في مصلحته. كان يراهن على أن انتخابات العام 2009 ستؤمّن له الغالبية النيابية وقد كان أمينه العام السيد حسن نصرالله واضحاً عندما طالب بأن يحكم من يحصل على الأكثرية ولكن على رغم أن قوى 14 آذار حصلت على هذه الأكثرية فإنّها لم تذهب إلى حكومة اللون الواحد. كان باستطاعة “حزب الله” مع التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون فرض الحصول على الثلث المعطل داخل الحكومة. بفعل هذا الثلث المعطل تمّ الإنقلاب على حكومة الحريري الإبن في كانون الثاني 2011 ليتم المجيء بحكومة اللون الواحد هذه المرّة أيضًا وإن برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي بعد تهديد النائب وليد جنبلاط الذي قلب الأكثرية لمصلحة تسميته.

 

هذه الحكومة انتهت أيضا إلى الفشل. بعد معاناة دامت عامين وجد الرئيس ميقاتي نفسه مضطراً إلى تقديم استقالته مع حكومته ووجد “حزب الله” نفسه أنه يستطيع أن يدير حرباً ولكنه أعجز من أن يدير حكومة من لون واحد ولذلك كان خيار الخروج من الأزمة بتسمية الرئيس تمام سلام. ولكن على رغم أن هذه التسمية كانت بدأت مسارها في الرياض ثم في بيت الوسط إلا أنّها لم تنتج حكومة من طرف واحد.

 

تجربة الرئيس سعد الحريري في الحكم بعد تسوية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016 لم تكن مشجّعة أيضاً. لم يستطع الحريري أن يكون الغطاء الكامل لما يريد أن يفعله “حزب الله” والعهد. هذه المرّة أسقطت ثورة 17 تشرين الحريري وحكومته. بعد التمسك بتسميته كخيار مساعد للعهد ولـ”حزب الله” سقط هذا الخيار أيضا لتتمّ العودة إلى خيار حكومة اللون الواحد مع الدكتور حسان دياب.

 

 

دولار كرامي ودولار دياب

 

عندما فرضت استقالة الرئيس عمر كرامي في أيار 1992 كان سعر صرف الدولار على عتبة الـ 3000 ليرة. ولكن لم تكن هناك أزمة مالية واقتصادية خانقة ذلك أن المصارف استمرّت بالعمل وبتلقّي التحويلات والودائع ولم تكن هناك أي مشكلة لدى الزبائن في السحب على رغم أن احتياطي مصرف لبنان من العملة الصعبة وقتها لم يكن يصل إلى 500 مليون دولار. اليوم مع حكومة دياب تخطّى الدولار حاجز الـ 3000 ليرة ليحلق نحو أفق جديد. صحيح أن الحكومة أوقفت دفع الديون المستحقة عليها ولكنها لم تتخذ بعد أي خطوة في المسار الصحيح للخروج من الأزمة. جاءت هذه الحكومة لتواجه هذه الأزمة لا لتتحدّث عن أسبابها فقط وتحميل المسؤولية للغير مع أن القوى التي تشارك فيها لم تخرج من السلطة منذ العام 1990 وهو التاريخ الذي يحدّدونه اليوم كنقطة بداية لمسار الإنهيار. هذا التاريخ ليس إلا بداية مسار عهد الوصاية السورية في لبنان الذي حاول “حزب الله” وراثته منذ العام 2005. وحتى اليوم لا يبدو أن هذه الحكومة ستكسر الصورة النمطية التي تكونت مع كل الحكومات السابقة التي رعاها عهد الوصاية و”حزب الله”.

 

هل لا يزال لديها الوقت؟ مكافحة الكورونا أعطتها فترة سماح إضافية ولكن لا يمكن لحكومة أن تعتمد على هذا الفيروس لكي تبقى وتستمر. أسباب السقوط باتت أقوى من مقومات الإستمرار.