ثمة مرحلة انتظار للاتصالات بين «حزب الله» وحليفة التيار «الوطني الحر»، وفق ما علّل الحزب لرئيس الحكومة تمّام سلام أسباب غياب وزرائه عن جلسة مجلس الوزراء أول من أمس وفقاً لمصادر وزارية.
ولا تتوقع هذه المصادر انعقاد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل نظراً إلى الاستعدادات التي يقوم بها سلام تحضيراً لسفره إلى نيويورك لتمثيل لبنان في افتتاح الدورة الـ71 العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وللمشاركة في قمة اللاجئين في العشرين من الجاري، ويلقي كلمة لبنان في الافتتاح، الخميس في 22 منه. وبالتالي المشاورات التي يجريها سلام من جهة، والأخرى التي يجريها الحزب ستنتظر نتائجها عودة رئيس الحكومة من نيويورك، فتصبح الصورة أكثر وضوحاً. وهذا الجو مستمراً ما لم تحصل مستجدات.
وتفيد المصادر أن الأسباب الحقيقية حول عدم حضور وزراء الحزب لا تزال غامضة، وربما وجد الحزب أن عدم وجوده في المجلس يريح في مجال ما. أما وزير تيار «المردة» ريمون عريجي فلن يقاطع مرة أخرى. وعلى الرغم من التضامن الذي أبداه الحزب مع التيار حتى الآن، إلا أنه غير مرتاح، ولا يتحمّل انفجار الوضع. والجميع يعرف أنه مع التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وأن كل الأطراف مع تأجيل تسريحه. والكل يدرك أيضاً أن الجو الإقليمي والدولي من خلال المواقف المسرّبة داعم لعدم حصول تغيير، فلماذا رفع السقف في المواقف والتجييش والتعاطي بذهنية المقاطعة والتعطيل؟ فالتيار إن تقدم أكثر سيخسر، وإن تراجع سيخسر. إنها مرحلة دقيقة يمر بها.
ولا تخفي مصادر وزارية أخرى قلقها بالنسبة إلى المرحلة المقبلة، بحيث تقول أن لبنان مقبل على ظروف صعبة ومعقّدة وينسحب القلق على مصيره برمّته من النواحي كافة. وتؤكد أن سلام ليس في وارد التفتيش عن التحدي ولكن في الوقت نفسه، الرئيس لا يكسُر ولا ينكسر، بل إنه يُجبّر. وفي الأساس فإن مقررات جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي ركّزت على مصالح الناس ولم تدخل في المواضيع الخلافية، وبالتالي أي تصعيد من العونيين لن تتم مقابلته من الرئيس سلام بتصعيد مماثل.
وتكشف المصادر عن مشاورات يقوم بها مع كل الفرقاء، معتبرة أن البلد برمته في حالة تعليق مصيره، ووضعه قيد البحث. ويُظهر أن اللبنانيين لا يستطيعون حلّ مشكلاتهم بأنفسهم، بل بمعاونة من الخارج، أو بأن يتم فرض حل عليهم، وقد فقد لبنان آخر هامش من حرية استنقاذ الذات. ولا تعتقد المصادر، أن الحزب يدعم التيار في التصعيد وفرط الحوار وفرط البلد.
وتشير أوساط وزارية أخرى إلى أن الحوار الوطني كان يريح البلد، حتى ولو كان صورياً. واليوم من يصعّد هو الذي يتحمّل مسؤولية ما يصيب البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وطائفياً. ويجب تحميل ذلك مباشرة لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي ينادي بالديموقراطية. ويتحدث أيضاً عن حقوق المسيحيين ويمنع انتخاب رئيس، من خلال عدم توفير الكتلة النيابية للتيار العوني النصاب أنه يعمد إلى الاستقواء بـ»حزب الله»، مع أن التيار بات عبئاً ثقيلاً عليه ويلعب الطرفان على هذا الموضوع، فيما يلعب التيار بالنار.
وتؤكد الأوساط أنه ليس بهذه الطريقة يتم الدفاع عن حقوق المسيحيين بل بانتخاب رئيس ومن يفوز يفوز. هناك ثوابت لا يمكن للأطراف التي تعارض نهج التيار هذا الموافقة عليها، ثوابت الاعتدال والعيش المشترك والمناصفة. لكن الكلام الذي يتضمن التطرف الشعبوي خطر على البلد، وعلى العيش المشترك، والجميع يدرك أن العملية الحوارية هي خارج لبنان، لكن وقف الحوار له سلبياته، لأن وجوده ينعكس إيجاباً على الاستقرار ولم يكن الرئيس نبيه بري قادراً على فعل شيء بعد كلام باسيل سوى اتخاذ هذا القرار.
وتفيد أيضاً مصادر وزارية أخرى، أن محاولات التيار مقاطعة الحوار الوطني تهدف إلى تعطيل عمل الحكومة. وحتى الآن يبدو أن غالبية القوى السياسية لا بل كلها بما فيهم حلفاء التيار راغبة في الحفاظ على عمل الحكومة، وإذا لم يحصل تضامن كامل بين الحزب والتيار فإن عمل الحكومة سيستمر، إنما مع إنتاجية أخف.
على العموم تنعقد الجلسات، وفي مثل هذه الظروف من التشنجات يبقى هناك قلق على الوضع الأمني، والذي يمكن وصفه بأنه غير مرتاح، لأنه عند التصعيد السياسي يبرز التخوف من شهية البعض للتخريب على الاستقرار القائم، مع الإشارة إلى أن الجيش والقوى الأمنية تمسك بزمام الأمور، وتقوم بمهامها على أكمل وجه.
وتقول مصادر نيابية بارزة في 14 آذار، أنه يجب عدم إضاعة البوصلة، إذ أن «حزب الله» هو المسؤول عن إيصال البلد إلى هذا الجو، ولا يجوز أن يتم التعامل مع الموضوع وكأن التيار العوني هو الذي يخرّب الوضع، إنما الحزب الذي يمتلك السلاح هو الذي يقوم بالتخريب وإلا لكان تم انتخاب رئيس للجمهورية منذ زمن.
التيار العوني، بعد ما سلّف الحزب الكثير، يريد حالياً أن يقبض الثمن بعدما أدرك منزلته لدى الحزب، وبأنه قادر على الطلب منه ما يريد، كذلك إن الخطاب العوني بات مكشوفاً من حيث المزايدات الشعبوية. وذكّرت المصادر بأنه تم تغييب تيار «المستقبل» عن الحكومة لمدة ثلاث سنوات بين الأعوام 2011 و2014، واستمرت الحكومة تجتمع وتعمل. ولكن لأسباب تكتيكية فإن الحزب لا يريد إسقاط الحكومة، التي تعمل ليس بكامل طاقتها ولا حتى بربع هذه الطاقة.