يحاول “حزب الله” التعاطي بكثير من البراغماتية مع الملفات الداخلية بعدما بات الاستقرار الاجتماعي برمته مهدداً بفعل الانهيار المالي، الحاصل فعلاً، والمؤجل إعلانه. ولذا يزين خطواته ومواقفه بميزان تأثيرها على الاستقرار، لا من “خرم” مقاربته لطبيعة العلاقات مع القوى السياسية الأخرى.
عشية تسمية حسان دياب رئيساً للحكومة، قدّم “الحزب” ما تيسّر من “المن والسلوى” لرئيس “تيار المستقبل” كي يقنعه بالعودة من جديد إلى السراي الحكومي، لكن ممانعة بعبدا ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل حالت دون حياكة نسخة منقّحة عن التسوية الرئاسية. فخرج الحريري من نادي رؤساء الحكومات ليدخل دياب على صهوة إنقاذ مطلوب بأي ثمن.
صحيح أنّ “الحزب” هو الداعم الأبرز للحكومة، لكن حقيقة الموقف منها بقي مرتبطاً بمدى قدرة رئيسها على اقتحام ساحات المواجهة الصعبة التي تتطلب جهوداً استثنائية وقرارات خارجة عن السياق التقليدي. ففعلتها في استحقاقين بارزين لقيا استحسان “حزب الله”: استحقاق اليوروبوند وجائحة كورونا.
في كلا الاختبارين، يرى “حزب الله” أن أداء الحكومة كان موضع ترحيب وتهنئة لأنها أثبتت نجاحها، ولو أنّ هذا النجاح لا يزال منقوصاً اذا لم يقترن بقرارات مماثلة في الجرأة في ما يخصّ قطاع الكهرباء والاصلاح المالي. ولكن حتى الآن، برهنت الحكومة أنها تستحق الدعم، ومزيداً من الفرص.
ما كان “حزب الله” ليعتقد أنّ الحكومة قد تفعلها خصوصاً وأنّ مكوناتها “غير مجرّبين” ولم يخضعوا لأي اختبارات سابقة، إلى أن أظهرت العكس. فكان لا بدّ من دعم علني تولى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله توفيره، خصوصاً في لحظة دقيقة بدت وكأنها مفصلية في مسيرة الحكومة. يومها رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري سقف اعتراضه على أداء الحكومة إلى حدود التهديد بسحب وزيريه، فيما الحريري يلوّح بتقديم نوابه استقالات جماعية من شأنها أن تفقد البرلمان مظلته الميثاقية وتعرضه للتفجير من الداخل. فكان لا بدّ من “تحيّة” دعم تعيد التوازن إلى الحكومة.
ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ “حزب الله” بصدد قيادة مواجهة ضدّ معارضي الحكومة أو حتى فتح معركة جانبية بوجه شريكه الشيعي. جلّ ما يحاول القيام به هو حماية الحكومة، ليس التصاقاً بها، وإنما لانعدام البديل. بات “الحزب” مقتنعاً، كما يقول المطلعون على موقفه، أنّ سقوط حكومة حسان دياب يعني الدخول في مجهول خطير قد لا تحمد عقباه. فلا الظروف الدولية ولا تلك المحلية تسمح بولادة حكومة بديلة قادرة على قيادة سفينة الانقاذ. ولهذا لا بدّ من تحصين تلك الموجودة، إلى أن يخلق الله ما لا تعلمون.
ولهذا يشيرون إلى أنّ “الحزب” ليس بصدد الانقلاب على علاقته بالحريري، لكنّ عينه على الاستقرار الداخلي الذي يعلو فوق أي اعتبار، ما يدفعه إلى تحصين الحكومة طالما أنّها على استعداد للقيام بالحدّ الأدنى المطلوب لمنع الانهيار الكامل. بهذا المعنى، يعتبرون أنّ الحريري بدوره ليس على استعداد للدفع باتجاه معارضة هدّامة أو غير محسوبة النتائج، بدليل مسارعة “تيار المستقبل”، كما رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إلى نفي علاقتهما بأي تحركات تحصل في الشارع أو بكلام عالي النبرة قد يطال العهد. وبالتالي إنّ الروايات التي تنسج عن تجديد خلايا تحالف عابر لقوى 14 آذار، ليس واقعياً، كما يرى المطلعون على موقف “حزب الله”، حتى أن التحذيرات من تداعيات حكم مرتقب للمحكمة الدولية، فيها الكثير من المبالغة.
يلفت المطلعون إلى أنّ “حزب الله” يتعاطى مع الحريري بكونه رئيس كتلة نيابية وازنة وممثل شريحة اجتماعية كبيرة، ولكن التطورات لا تستدعي تواصلاً طارئاً أو تنسيقاً استثنائياً. ولذا يمكن وصف العلاقة الثنائية بأنها عادية، لا “فيروسات” خصومة فيها، ولا “مقويات” تحالف. “الحزب” يعتقد وفق المطلعين على موقفه، أنّ الحريري ليس في صدد تسعير الاشتباك معه لأنه يدرك جيداً أنّ علّة عودته إلى رئاسة الحكومة، لا تكمن في الضاحية الجنوبية. ولهذا يعتقد هؤلاء أنّ ترك الحكومة تحاول لملمة الانهيار ووضع البلد على سكة الانقاذ وتقطيع هذا الوقت الصعب، هو أفضل الممكن في هذه المرحلة، وليوفر الآخرون جهودهم للانتخابات النيابية. ومن بعدها لكل حادث حديث.