من بوابة الموت، يعود «حزب الله» مُجدّداً ليتصدر واجهة الحرب في سوريا وذلك بعد استراحة من خسارة العناصر كانت مؤقتة وذلك عقب الإنتهاء من معركة حلب. ومن بوابة الأوجاع العريضة، استعاد الحزب خلال الأيام القليلة الماضية، مشاهد التشييع التي يبدو أنها ستظل ترافق الأهالي وتُزيدهم وجعاً، على الرغم من محاولات الإطمئنان التي حاول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، زرعها فيهم يوم أعلن إنسحاب حزبه من الحدود اللبنانية- السورية، خصوصاً وأن أهالي عناصر الحزب تلقّفوا هذا الإعلان كمقدمة لعودة جميع أبنائهم من الداخل السوري في أقرب وقت مُمكن.
نهاية الاسبوع المنصرم كان إلى حد كبير، عنواناً لفظاعة الحرب التي يخوضها «حزب الله» في سوريا وقساوتها لجهة الخسارات المتتالية التي ما يزال يتعرّض لها منذ تدخله في هذه الحرب. خسارة مؤلمة جديدة لحقت به نتيجة امعانه في الاستمرار في حرب غير محسوبة النتائج، يقودها إلى جانب نظام بشّار الأسد ضد الشعب السوري تمثلت بسقوط ما لا يقل عن عشرة عناصر سقط معظمهم في درعا. وقد عرف من هؤلاء العناصر: مازن حسين عباس، علي محمد ياغي حسين علي محمد ناصر الدين وعنصر من آل زعيتر لم يُعلن عن هويته وجميعهم من مدينة بعلبك بالإضافة إلى العنصر حسين عبد الحميد الفن من بلدة الخريبة البقاعية.
لم تقتصر خسائر «حزب الله» على العناصر الخمسة فقط، فقد سبقهم بيومين تقريباً، سقوط عنصرين في سوريا
هما: قاسم محمد الأسمر من بلدة العديسة، ناصر إبراهيم العلي من بلدة شقرا الجنوبية وعباس سهيل علامة الملقب بـ»ظافر». وفي بداية الاسبوع المنصر، افتتح «حزب الله» خسائره بعنصرين هما: مصطفى فؤاد حنجول الملقب بـ»ذو الفقار» من الغبيري وعبد الحميد شرى «أبو مهدي» من بلدة مجدل سلم الجنوبية. وقد نعاهم الحزب جميعهم، على أنهم «شهداء الواجب». وعُرف أن العنصر ياغي هو شقيق مهدي ياغي العنصر الذي كان سقط في 31 تموز 2013 في سوريا أيضاً، وقد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يومها، فيديو يظهره وهو يتحدث بعفوية عن حياته ويستهزأ فيه بالحياة وقساوتها والظروف الصعبة التي تمر بها بيئته وعائلته.
معظم خسائر «حزب الله» الاسبوع الفائت، وقعت في درعا، وقد أكدت «غرفة عمليات البنيان المرصوص»، سقوط عناصر من الحزب وأخرى إيرانية ومن جيش النظام في حي سجنة داخل المراكز أثناء إفشال محاولتهم لاحتلال المناطق المحررة في حي المنشية بدرعا البلد. والجدير بالذكر أنه وصلت مؤخراً تعزيزات عسكرية جديدة إلى درعا وريفها، لقوات النظام تضمنت الفرقة الرابعة التي يتزعمها ماهر الأسد شقيق بشّأر الأسد، إلى جانب مجموعات من «حزب الله» و»الحرس الثوري الايراني» وميليشيات عراقية. بدورها كانت أعلنت الفصائل السورية المقاتلة منذ شهرين تقريباً، بدء معركة ضد النظام وحلفاؤه في حي المنشية بدرعا البلد، وأطلقت مؤخراً المرحلة الرابعة من معركة «الموت ولا المذلة» التي تشرف عليها «غرفة عمليات البنيان المرصوص»، وذلك رداً على محاولات السيطرة على معبر درعا الحدودي مع الأردن.
في الأيّام الاخيرة، بدأ يتكاثر عدد عناصر «حزب الله» الذين يسقطون بشكل لافت. بعض عناصره يقولون بأن الحرب في سوريا «ليست نزهة» كما سبق أن صُوّرت لهم، فهي بحسب وصفهم لها، «بلد الموت»، وهذا وحده يُنذر بأيام صعبة بدأت تتسلّل إلى داخل بيئة تحوّلت إلى هدف لقتل إرادي ولا إرادي من دون أن تجد من يرفع عنها هذا الشبح الذي يُلاحقهم ويُحصرهم من جهة الموت القادم من سوريا. هو بلاء يتكاثر وينتشر كالداء وله انعكاسات تصل إلى حد إنتهاء العمر في لحظا. فمن لبنان إلى العراق فسوريا وصولاً إلى اليمن ومنها إلى بقيّة الدول العربية المُحيطة، هناكمن يُصر على إغراق طائفة بأمها وأبيها في الدماء. وهو داء حزب يواصل تسعير شرارته ليحرق مُحيطه من أجل نظام فاسد ومجرم يهوى التنكيل والفتن ويتفنن بالقتل، فلم يُبق منزلاً لا في لبنان ولا في سوريا، إلا وساعد في إدخال الموت اليه.
إنغماس «حزب الله» ومشاركته في الحرب السورية التي تأكل من رصيده الشعبي ولو بشكل محدود والتي تنعكس في مجالها الأخطر على الوضع اللبناني وخصوصاً في الجرود، يُلاقيه الجيش بكثير من الحزم والحسم على أرض يتكاثر فيها حجم الصراع. عمليات نوعية يرسم من خلالها الجيش مستقبل الجرود وأمنها الموعود على يد عناصر تُعانق جباههم السماء وتُغرس أقدامهم في الأرض فيرسمون طوقاً مُحكماً يلف الخناق حول رقبة الجماعات الإرهابية ويُكبدها خسائر فادحة مع كل طلعة شمس. بالأمس استهدفت مدفعية الجيش مواقع الارهابيين في جرود عرسال وراس بعلبك، وكالعادة انعكس هذا الاستهداف أزمة بين الجماعات الإرهابية حيث وقعت معارك عنيفة بين تنظيم «داعش» وجبهة «فتح الشام» (النصرة) سابقاً، وقد نفذ أحد عناصر «داعش»، عملية انتحارية في أحد مراكز «النصرة» في منطقة عجرم في جرود عرسال ما ادى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى.
وبالعودة إلى وضع «حزب الله» المأزوم الناجم عن حجم تدخله في الحرب السورية، يُلاحظ أن التورط يزداد بشكل لافت والذي يُقابله عناصر لا حول لهم ولا قوة لا يستطيعون رد مصيرهم ولا الاعتراض على واقع الموت. عناصر
يلتقون على جبهات الموت ويُمضون ساعاتهم الأخيرة إما بأخذ لقطات مصورة اخيرة علّها تبقى ذكرى للأهل والأبناء، وإما بإطلاق اناشيد الموت. «وداعاً أمي»، «أخي سوف تبكي عليك العيون» وصولاً إلى «إلى الجهاد، إلى الجهاد». هي أناشيد يُطلقونها على جبهات الموت تشهد على وجوه أمضت لحظاتها الأخيرة وهي تحلم بيوم تترك فيه جبهات الموت وتستعيد حريتها المأسورة.