تبدو الأمور اليوم أفضل بكثير بالنسبة لواقع حال علاقة «حزب الله» مع شرائح كثيرة في العالم العربي، بعد فترة «التباس» استمرت اشهرا طويلة، بدأت مع بداية الازمة السورية ووصلت الى أوجها مع دخول الحزب لاعبا رئيسيا الى مسرح القتال السوري، وصولا الى اليوم، مع اتخاذها أبعادا اكثر تفهما لدوافع اهداف الحزب وقتاله في سوريا الى جانب الرئيس السوري بشار الأسد.
ويشير متابعون لحركة الحزب الى انه مع بداية الربيع العربي العام 2011، كان انحياز الحزب الى الثورات التي كانت ذاتية وحصلت بغفلة عن مشروع الهيمنة بوصفها حركة شعبية احتضنت كل العوامل الداخلية والخارجية لهذا الحراك. لكن الصدمة تجلت من بعدها واتضح للحزب حجم المؤامرة على سوريا التي بدأت منذ العام 2003 مع سقوط العراق، وهو الامر الذي عبرت عنه شروط وزير الخارجية الاميركي حينها كولن باول التي حاول املاءها في زيارته للأسد عندما طلب فعليا، ورفض الرئيس السوري، تصفية المقاومات في المنطقة.
ويشير العارفون الى ان المخطط الاميركي عاود محاولته من جديد مع عدوان تموز العام 2006، عندما كان يخطط لولادة شرق أوسط جديد لا هوية له، تهيمن عليه إسرائيل وتحميه الولايات المتحدة الاميركية.
فشل المشروع مرة جديدة، حسب هؤلاء، فعمل الاميركي على ملفات عديدة لمحاصرة سوريا وإيران، ثم ما لبث ان وجد المبرر الأمثل مع بدء أحداث الحراك العربي لكي يستهدف دمشق في موقعها الجيوسياسي ودورها العربي والقومي، مدركا انه لولا سوريا، لما لقيت المقاوماتُ، كُلُّها، حاضنتَها وَلَمَا وَصَلَت الى موقعها وَلَمَا تَحَقَّقَ التحرير أصلا.
يصف المتابعون الانتكاسة التي تعرض لها المشروع الاميركي في العامين 2003 و2006 بأنه «نصف انتصار»، مشيرين الى ان الاميركي خسر معركة لكنه لم يخسر الحرب، فعاد وَنَفَذَ عبر ما حدث في المنطقة ابتداء من العام 2011 لتنفيذ مخططه.
في هذه المرحلة، كان لا بد لـ«حزب الله» من التدخل بوجه ما يُخَطَّط للمنطقة من البوابة السورية، وهو في هذه الفترة جهد لشرح موقفه الى العالمين العربي والاسلامي. واذ احتفظ بشعبية لدى شرائح كبيرة لم تتأثر بالآلة الإعلامية الهائلة ضد المقاومة، الا انه وجد صعوبة كبيرة امام تيارات عديدة، ليس فقط دينية، بل بعضها وسطي غير ديني. صبر الحزب، وفي هذه الاثناء، التفت الى معركته في سوريا حيث بدت المعركة قبل نيف وعام اكثر وضوحا، حسب هؤلاء: لم تعد تنضوي تحت عنوان معارضة سلمية بوجه نظام ظالم، بل ان الامر بات جليا، هو قتال بين التكفير، المغذى ماديا وماليا وشرعيا، ومحورٍ مقابلٍ سِمَتُهُ الاساسيةُ الصمودُ والمقاومةُ بوجه الاميركي الاسرائيلي.
يلفت المتابعون لمواقف الحزب النظر الى ان ذلك حسّن من صورة «حزب الله» لدى تلك الشرائح التي استعصت عليه في السابق. وشيئا فشيئا، ومع اتضاح معالم المؤامرة وطبيعة المحور العربي والاقليمي القائم وراء المعارضة السورية، واجه مسؤولو الحزب ذلك التشويش الذهني المفروض على تلك الشرائح التي باتت على علم بطبيعة الصراع: انه صراع نفوذ على النظام الدولي بين الروس والاميركيين «في سوريا وعلى سوريا»، في سبيل اقامة نظام دولي جديد بعيد عن الاحادية الاميركية.
من هنا، لمس المتابعون للزيارات العربية لمسؤولي الحزب مدى التغيير الذي يحصل. بات بعض مسؤولي الاحزاب العربية يقبلون بمنطق المقاومة بعد ان كانوا رافضين حتى للحوار، او غير مقتنعين بفحواه. يبدو المشهد اليوم اكثر توازنا، يعززه التقاء ارادات مع مواقف دول واحزاب ترفض سقوط سوريا، وهي مصنفة اصلا بين دول الاعتدال العربي. كما ان الرأي العام بات أكثر ايجابية في دول صنفت سياسيا على خصومة مع سوريا، كما هو الحال في مصر على سبيل المثال، حيث يشير احد العارفين الى ان ردة الفعل العدائية ضد سوريا اتضح انها كانت مصطنعة، والدليل ان موقف مصر الحقيقي بان على حقيقته فور سقوط حكم «الإخوان المسلمين»، وهو ما يوضح ان المؤسسات الحقيقية والوازنة في النظام كانت على الدوام رافضة لاستهداف سوريا واسقاطها.
ويلفت مصدر متابع للحركة الحزبية العربية النظر الى ان ثمة تغييرا كبيرا حاصلا اليوم على صعيد الموقف العربي من حركة «الإخوان»، حتى ان قنوات عديدة تفتح بوجه «حزب الله» هي مقفلة بوجه الحركة، علما ان العلاقة بين «حزب الله» و«الإخوان» اليوم «باردة» واللقاءات بينهما تقتصر على المناسبات العامة.
وبالنسبة الى «الإخوان»، يبدو ان الساحات العربية تضيق واحدة تلو الاخرى عليها، وآخرها الساحة السودانية حيث لم تجد حركة «حماس» منبرا في المؤتمر القومي الرابع الذي اعاد انتخاب الرئيس عمر البشير رئيسا. واللافت للنظر ان حركة «فتح» افتتحت المؤتمر، وهو الأمر الذي لم يكن يحدث في السابق، في المؤتمر الذي حضره «حزب الله».. وغابت عنه «حماس»!