بدأ «حزب الله» يشعر اليوم، بعمق وخطورة المستنقع الذي أغرق نفسه فيه منذ قرر أن يكون طرفاً في الصراع السوري في العام 2001. واليوم يتنامى هذا الشعور في ظل عجز الحزب وحلفائه من جيش النظام والحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية والأفغانية، عن تحقيق أي إنتصار من شأنه أن يُبرّر الأسباب التي أدت أو دفعته إلى هذا التدخل والتي على أساسها ما زال حتّى اليوم يُحاول أن يُقنع جمهوره بأهمية هذه الحرب ودفعه اليها تحت مُسمى «الواجب الجهادي».
توصف المرحلة الحالية بالنسبة إلى «حزب الله« بأنها من أصعب المراحل التي مرت عليه منذ تأسيسه ولغاية اليوم، فبعد «القصير» و»القلمون» و»الغوطة»، ظن الحزب أن الطريق لاحتلال سوريا، أصبحت مفتوحة أمامه وأنه ومن خلال «قوّته» العسكرية، قادر على تحقيق أي إنجاز على الأرض بأقل الخسائر الممكنة، لكن مع كل إدعاءاته و»غروره»، وقف عاجزاً وحائراً أمام مجموعات صغيرة من الثوّار في «الزبداني» و»مضايا» المُحاصرة، واليوم في حلب التي أذاقته وحلفاءه مرارة الهزائم وألحقت بهم خسائر فادحة ما زالوا عاجزين حتّى الساعة عن إستيعابها وعن إحصاء خسائرهم فيها، وما الالتباس الذي أوقع السيد حسن نصرالله نفسه فيه، عندما قال إن مجموع اسرى حزبه هو عنصر فقط، سوى مؤشر واضح حول هذا العجز والضياع الكامل الذي يمر به «حزب الله».
أمس الأول، كشفت الوكالة الإيطالية (آكي) في تقرير أن «حزب الله اللبناني والميليشيات الأفغانية والعراقية المساندة لقوات النظام السوري وميليشياته، رفضت مواصلة الهجوم على مدينة حلب شمال سوريا«، مشيرة إلى «خلاف استراتيجي ظهر مؤخرا بين قوات النظام الراغبة بمواصلة محاولة السيطرة على المدينة بدعم جوي روسي، وبين حزب الله الذي يُقر باستحالة السيطرة على المدينة«. والأخطر ما كشفته الوكالة على لسان مصادر في الحزب مواكبة للمعارك العسكرية قولها: أيقنا استحالة السيطرة على المدينة، وكذلك خطورة التوسع شريطياً دون تأمين المناطق المجاورة للتوسع، فضلاً عن تكّبد الحزب خسائر في قواته وفي قوات موالية لإيران في المعارك التمهيدية، وتأكيد الحزب للقوات السورية أن مثل هذه المعركة تحتاج لنحو مائة ألف مقاتل على الأرض على الأقل لترجيح كفّة نجاحها«.
هذه المعطيات تؤكد الواقع القائم بين حلف «الممانعة» على أرض حلب، من بينها الاشتباكات بين عناصر من «حزب الله» وآخرين من جيش النظام في مناطق متعددة في حلب منذ اسبوعين، بالإضافة إلى النفور الواضح بين الروسي والإيراني حول مجريات معارك حلب واتهام الروسي للأخير بالتخاذل والجُبن من خلال رسالة وجهها اليه مطلع الأسبوع الحالي «نحن قمنا بواجبنا في الجو، وأنتم يجب أن تقوموا بما عليكم على الأرض». وجاءت إنتكاسة الإيراني وحلفائه بخسارتهم بلدة «الملاح» في حلب أمس الأوّل وسقوطها بيد المعارضة السورية، لتُعزّز الخلافات القائمة بين ما يسمى قوى «الحلف الواحد« ولتؤكد إستحالة سيرهم بمعركة حلب. ولا بد من التذكير أنه يوم كانت سقطت «الملاح» بيد الإيراني وحلفائه، أفرد إعلام «المُمانعة» مساحات واسعة للتحدث عن الأهمية الاستراتيجية لهذه البلدة ما يُمكن أن يؤشر له هذا السقوط لاحقاً.
بغض النظر عن جديّة المعلومات التي تحدثت خلال الساعات الماضية، عن نيّة «حزب الله» الانسحاب من حلب والتي اكدها أيضاً مصدر في «الجيش السوري الحر» بقوله «إننا لم نلحظ أي انسحابات لجماعة حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى التي تقاتل نيابة عن النظام سواء في مدينة حلب أو ريفها«، إلا أنه يُمكن القول إن الحزب يتخبّط بأزمة كبيرة بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها في ريف حلب الجنوبي، فهو وعلى لسان نصرالله، اعترف بسقوط ستة وعشرين عُنصراً اضافة الى اسير واحد ومفقود واحد منذ أول حزيران الفائت، لكن سير المعارك هناك، يؤكد أن عدد العناصر الذين نعاهم الحزب في حلب وحدها، يفوق بكثير ما أعلنه نصرالله مؤخراً بالإضافة إلى أن «جبهة النصرة» وحدها، كانت عرضت مقابلة متلفزة مع أربعة عناصر من الحزب تم اسرهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو الامر الذي يدحض كلام نصرالله حول عدد اسرى حزبه.
من المؤكد ان ما يجري في ريف حلب الجنوبي اليوم، هو صورة مُصغّرة عما يُمكن ان تكون عليه سوريا في المستقبل، إذ أن جميع الفرق المُتقاتلة هناك، تسعى إلى فرض سيطرتها وذلك من مبدأ أن من يُسيطر على حلب يُمكن أن يحجز لنفسه مكاناً في المقاعد الأمامية للمفاوضات والمؤتمرات التي تُعقد في الخارج، ومن هنا تسعى إيران من خلال حرسها الثوري وميليشياتها المتنوعة، إلى تحقيق خرق ولو بسيط، لتثبيت حضورها على الساحة الدولية، ولذلك أعلن نصرالله خلال أربعين مقتل القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين أنه «لدينا مسؤولية تتمثل بالمزيد من الحضور في حلب، نحن سوف نزيد من حضورنا في المنطقة، والمطلوب من الجميع أن يحضر، لأن المعركة الحقيقية الاستراتيجية الكبرى هي المعركة في مدينة حلب ومنطقة حلب«.