يعيش «حزب الله»، على ما تشير التطورات، حالة غير مسبوقة على هذا النحو من التحديات، التي تكاد تكون مصيرية، والموزعة العناوين والميادين.
لم يكن اغتيال القيادي (العسكري – الأمني) مصطفى بدر الدين، إلا حلقة في هذا المسلسل، والحزب يواجه أخطر تحد واجهه منذ نشوئه والمتمثل بهذا الحصار الدولي الذي يطبق على الحزب، منذ ما قبل وضعه على قائمة الارهاب الدولي، وتعزز بعده بسلسلة اجراءات بالغة الخطورة من بينها قضية القانون المالي الاميركي بعنوان «منع التمويل الدولي لحزب الله» الذي تجسد في لبنان في التعاميم التي أصدرها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مؤخراً، الأمر الذي رأت فيه «كتلة الوفاء للمقاومة» انصياعاً غير مبرر لسلطات الانتداب الاميركي النقدي على بلادنا..» وترفع الصوت عالياً رفضا لهذا القانون لأنه، بحسب «الكتلة» «يؤسس لحرب إلغاء محلية يسهم في تأجيجها المصرف المركزي وعدد من المصارف، فضلاً عن كون الالتزام به مصادرة للسيادة اللبنانية النقدية..». وقد جاء بيان «جمعية المصارف» أول من أمس، ليشد من أزر مصرف لبنان وحاكمه ومؤكدة ان التزام المصارف اللبنانية والمتطلبات الدولية بما فيها تطبيق العقوبات هو من المستلزمات الضرورية لحماية مصالح لبنان والحفاظ على ثروة جميع أبنائه ومصلحة جميع المواطنين والمتعاملين مع المصارف، ما يؤمن لهم سلامة استمرار العمل من خلال النظام المالي العالمي والقطاع المصرفي اللبناني جزء منه..»؟!
بعيداً عن التفاصيل التقنية والقانونية، وما اذا كان في يد السلطات اللبنانية المعنية قرار القبول او الرفض وبأي أثمان، فإن «حزب الله» في وضع داخلي واقليمي ودولي غير مسبوق في تحدياته.. وجاء اغتيال بدر الدين في حمأه هذه التطورات، بصرف النظر عمن يقف وراء الاغتيال ومن عزز العملية بالمعلومات الدقيقة والوافية لانجاحها.
من أسف، ان اغتيال بدر الدين، لم يخطَ بادانات لبنانية شاملة، بل على العكس من ذلك، فقد استنكف كثيرون حتى عن تقديم العزاء لقادة «حزب الله»، وهي مسألة اعتبرت مؤشراً على مدى الهوة السحيقة التي باتت تفصل بين الحزب وآخرين، ممن يأخذون عليه تجاوزه حدود الشراكة الحقيقية في القرارات وما يجب وما لا يجب والى أي مدى..؟!
العقوبات المالية.. والحصار السياسي والاقتصادي، كما والاغتيالات والتضييق على الحزب نتائج ومقدمات لمرحلة جديدة يؤسس لها، ولن يكون لبنان بمنأي عن تداعياتها السلبية، وهي كبيرة وكبيرة جداً، وان كان البعض يرى ان رمي مسؤولية اغتيال القائد بدر الدين في حضن «التكفيريين»، محاولة من الحزب للتخفيف من ثقل المواجهات الأخرى مع من كان يعتقد الحزب أنهم وراء هذه الجريمة، وتحديداً «إسرائيل» والولايات المتحدة..
لقد أسست هذه التطورات بوقائعها الجديدة وما يمكن ان تصل اليه من تداعيات، مناخات، من المبكر الحديث عنها، ان على مستوى الداخل اللبناني وما يفرضه ذلك من ضرورات لاعادة تقويم الاداء لتحصين الجبهة الداخلية، او على صعيد الخارج.. ولعل من قبيل الصدف ان تتقاطع هذه التطورات مع الذكرى المئوي للاتفاقية – الجريمة المعروفة بسايكس – بيكو، عام 1916، بين وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا، جورج بيكو ومارك سايكس والتي مهدت بعد عام لوعد بلفور البريطاني لليهود في اقامة دولة لهم على أرض فلسطين، فكانت قمة الجريمة الدولية التي ماتزال تتفاعل، بعدما تقاسمت فرنسا وبريطانيا الانتداب على «سوريا الطبيعية» ووضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني لتجير لاحقاً لصالح اليهود؟! فيبدأ مع ذلك مسلسل المجازر والقتل والجماعي وتهجير واقتلاع أصحاب الارض الشرعيين من أرضهم، ولما ينتهِ بعد..
ليس من شك في ان الحالة السيئة التي وصل اليها العالمان العربي والاسلامي والانقسامات العمودية، باتت تشكل عصب القوة الاسرائيلية بامتياز.. والكيان الاسرائيلي يستفيد وبشكل كبير من تراكم التناقضات هذه، حتى بين أبناء الدولة والكيان الواحد.. كما وتستفيد من التصدّع الخطير في بنية المجتمعات العربية، وتحديداً أكثر في «المشرق العربي».. وهو، أي «الكيان الاسرائيلي»، لم يتردد لحظة في اختبار «عضلاته العسكرية» ضد كل شعوب المنطقة، من غزة الى الضفة الغربية، الى لبنان، وبالتأكيد سوريا والعراق، مستفيداً من تضافر عدد غير قليل من العوامل التي ساهمت في تفكيك هذه البيئات واعادة صياغة اصطفافات جديدة على خلفيات مذهبية وطائفية واتنية، باتت تشكل جزءاً من محاور اقليمية.. الأمر الذي يستدعي تذكير الجميع، بأن كل الرهانات على «تسوية مع الاسرائيليين، هو خارج السياق التاريخي».
«إسرائيل» ليست وحدها.. وعندما يتعلق الأمر بأمنها، تزداد الاصطفافات الدولية والاقليمية من حولها ومن ورائها، والتاريخ يشهد على ذلك، من قبل اعلان الكيان في 1948 ولتاريخه.. لكن «إسرائيل» ليست على هذا القدر من القوة الفاعلة إلا بقدر ما تكون المجتمعات العربية مفككة وقد أضاعت البوصلة في تحديد «العدو» من «الصديق» وفي خلط الأوراق وتقديم الهامشيات على الأولويات.. ويكفي متابعة يوميات ما يجري في فلسطين المحتلة ليتأكد الجميع من ان «إسرائيل» لن تكون يوماً عنصر أمن واستقرار وأمان للمنطقة بكاملها، وبكامل مكوناتها، ولن تقبل شريكاً يوازيها في الحقوق؟!