سقطت كلمة «اسرائيل» من قاموس «حزب الله» في المعنيين السياسي والعسكري، وإنطلاقاً من السقوط هذا، ما عاد للجليل أهمية لا إستراتيجية ولا معنوية، بعدما غابت الخطابات «التعبوية« و«الثورية« التي كانت تدعو إلى «السيطرة عليه أو تحريره».
اليوم تحوّلت سوريا إلى وجهة حرب جديدة لكنها أبدية بالنسبة إلى «حزب الله»، ومعها حوّل جميع مناطقها وبلداتها إلى نقطة إشتعال دائمة يسعى إلى إسقاطها الواحدة تلو الاخرى وضمها إلى مشروع كبير تقوده إيران في المنطقة، لكن المؤسف أن هذا المشروع المُغلّف بعناوين وشعارات مذهبية، لا يهدف سوى إلى تهجير الشعب السوري واحتلال أرضه ونهب ثرواته. أمّا إذا إنتفض هذا الشعب وثار ضد ظلاّمه والمُعتدين عليه، عندها يُتهم بأنه «تكفيري» و»إرهابي» ووجب قتله أو أقله نفيه خارج بلاده.
يبدو أن «حزب الله» قد استبدل «الجليل» بـ»حلب» التي حولها إلى «قبلة» حرب جديدة لعناصره وعنوان لمقاومته. في حلب يخوض الحزب أشرس معاركه على الإطلاق منذ أن غزا الأراضي السورية، وهناك سقط له ما لا يقل عن اربعين عنصراً بينهم فتيان لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة، وذلك في أقل من اسبوع واحد، ولغاية الساعة يستمر بخوض حربه هذه ويحشد لها المزيد من الفرق خصوصا بعد كلام نصرالله الأخير حيث اعتبر الحرب في «حلب» «أم المعارك»، وبهذا يكون نصرالله قد ضل فعلاً طريقه إلى القدس، مرة من خلال قوله «أن طريق القدس تمر من الزبداني»، واخرى عندما قال «ان القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن سوريا والمنطقة بأسرها«.
من الطبيعي القول، أن حركات المقاومة في العالم، هي الرد الطبيعي من شعوب المنطقة على الغزو والاحتلالات ومشاريع الهيمنة والتسلط، وهي تشكل وحدها ضمانة تحقيق العدالة والاستقرار والسلام، سواء كانت مقاومة مسلحة على طريقة الثورة الفرنسية، أو سلمية على طريقة «غاندي». ومن هنا يُمكن إستعادة كلام لنصرالله قال فيه: «إن حركات المقاومة وشعوب المنطقة لم تعتد على أحد أو تبدأ حرباً على أحد ولم يكن مشروعها في يوم من الأيام مشروع حرب وقتال وإنما اعتدي عليها وغزيت أرضها ومقدساتها وتم التجاوز على كرامتها وعلى شرفها وتمت مصادرة قرارها واستقلالها«، ومن هنا لا بد من أن يُسأل عن مقاومة الشعب السوري لحزبه ولإيران، هل هي مقاومة شرعية أم أن لا شرعية لشعب تقتله «البراميل» المُتفجرة وتُنكّل به الصواريخ الموجهة، وتحرق منازله وأراضيه القذائف الفوسفورية؟.
المؤسف أن «حزب الله« يذهب مع إيران في مشروعها التفتيتي من دون أن يُدرِك حجم التكلفة التي تدفعها الطائفة التي يستأثر بها وحجم الارتدادات السلبيّة على لبنان، فإيران التي نجحت في هدم الدولة في العراق وسورية ولبنان، لن يصعب عليها بعد إنجاز مشروعها، التخلص من حزب، أنجبته وموّلته ودربته وسلحته قبل أن تُسلّطه على شعوب المنطقة. فمن خلال التباهي الإيراني الدائم والمُستمر بقدرات «حزب الله» العسكرية في مواجهة دول المنطقة،
يُمكن التلمس بأن هناك قرارا ايرانيا بزج شيعة لبنان عامة في الحروب الدائرة، وبالفعل فقد بدأ «حزب الله« بالترويج لهذا المفهوم من خلال جعله شيعة لبنان يشعرون وكأنهم أصبحوا بين فكّي كماشة، الإرهاب «التكفيري» من جهة، والإسرائيلي من جهة أخرى، ولذلك فقد وضعهم الحزب أمام خيار واحد وهو الذهاب إلى الحرب طوعاً، وإلا فإن الموت ينتظرهم عند أبواب منازلهم.
يمضي «حزب الله» قُدماً في تنفيذ السياسة الإيرانية التي تُغرقه شيئاً فشيئاً في المستنقع السوري، فالتدعيم العسكري والبشري في المناطق التي يتواجد فيها، بالإضافة إلى التحصينات والمنشآت التي يُعدها ويُضاف اليها إحراقه لمساحات واسعة من المزارع والحقول، كلها تنبئ بأن قراراً إيرانياً قد اتُخذ بالبقاء في سوريا حتى استنزاف آخر عنصر في «حزب الله» أو حتى نزول آخر دمعة من والدة على ابنها، أو من طفل على أبيه.