Site icon IMLebanon

«حزب الله» في سوريا .. «ضريبة» موت لا ينتهي

نعى ثلاثة من عناصره ومواقع حلفائه أكدت تجاوز عدد القتلى العشرة
«حزب الله» في سوريا .. «ضريبة» موت لا ينتهي

لم تكتفِ نيران الحرب في سوريا بالضحايا والقتلى والجرحى والشهداء الذين سقطوا حتّى اليوم، إذ أن هناك المزيد من الخسائر تُسجل مع كل طلّة فجر، تنسحب ألماً ووجعاً وقهراً في نفوس الأهالي والأقرباء، وتُخلّف أيتاماً وأرامل وتترك حسرة في القلوب على شُبّان يُلاحقون أوهام «النصر» الموعود، فيتساقطون كأوراق الخريف على ضفاف المشاريع الخارجية بعد أن يتحوّلوا إلى وقود تُشعل الغضب وتُخرج من الحناجر صرخات رافضة للموت بأشكاله وأنواعه، حتّى لو تزيّن بالدعوة إلى «الواجب الجهادي».

منذ أيام، تناقلت مواقع يُشرف عليها حلفاء لـ «حزب الله»، صوراً وأسماء لعناصر من الحزب قيل إنهم سقطوا خلال تأديتهم «الواجب الجهادي»، وقد تراوح عددهم بين ثلاثة وستة عناصر والبعض أكد أن العدد تجاوز العشرة، لكن من دون أن يصدر أي بيان رسمي عن دائرة إعلامه الخاص. ولكن خرجت أولى التأكيدات أمس من مواقع الحزب نفسه، لتؤكد نعي ثلاثة عناصر سقطوا في سوريا هم: علي محمد آغازاده الملقب بـ (مرتضى)، احمد حمدي العايدي الملقب بـ (ابو زينب) وعلي عثمان من بعلبك. ومن هذه الأوجاع التي لا يبدو أن لها أفقاً قريباً يُمكن أن يُنهيها أو أقله يحد منها، شبّهت بعض الأصوات المعارضة للموت والمؤيدة للحزب أمس، مقتل الشُبّان بالموت العابر للقرى والبلدات، فيزور البيوت ليختار منها «خيرة شبابها».

تشييعات الأمس أصبحت جزءاً من حياة الناس وتحديداً بيئة «حزب الله». لقد أخذت الحرب السورية أعز ما تملك هذه البيئة، صغاراً وكباراً أخذتهم وعود «الإنتصارات» إلى حيث لا عودة بعد أن تركوا خلفهم أمانيهم وأحلامهم بمستقبل يتسع لهم ولأبنائهم. وعلى الرغم من كل هذه الإشكاليات التي تُعبّر عنها بيئة «حزب الله»، والتي لم تصل بشكل فعلي إلى إهتزاز الثقة بالحزب بشكل كامل، إلا أنها تترك آثاراً بالغة في نفوسهم تولّد لديهم انطباعات تشي بفترة ضبابية مُقبلون عليها من الصعب أن يتمكّنوا فيها من تحديد الأرض التي يقفون عليها أو حمايتها، أو على الأقل تخفيف النزف البشري الذي يُلاحقهم سواء كانوا مُرغمين، أو برضاهم.

الغرق في المستنقع السوري، يبقى الهاجس الأكبر الذي يُسيطر على «حزب الله» وقيادته وقادته في كل المراحل وهو بدأ ينعكس بشكل سلبي على نفسية مقاتليه بعدما أصبح الموت صفة تلازمهم في حياتهم على الجبهات الغريبة، والسؤال عن جدوى تواجد هؤلاء في سوريا، لم يعد يُجدي نفعاً بالنسبة الى العناصر والقادة، فثمة من قطع الشك باليقين باستكمال «مسلسل» الموت، من خلال العبارة الشهيرة «مستعدون للتضحية بثلث الطائفة من أجل أن يعيش البقية بكرامة». وأكثر من ذلك، ثمة من يرى أن الإنتصارات التي تُحرز في أي ميدان، لا بُد وأن تتُرجم إيجاباً في نفسية المقاتلين أولاً، وداخل البيئة الداعمة لهؤلاء المقاتلين. لكن في حالة «حزب الله»، فان سقوط العناصر، يبدو أنه لا يُعبّر سوى عن كبر حجم المأزق وإتساع رقعته. ومن هنا يظهر السؤال الأهم حول نغمة «الإنتصارات» التي لا يزال حلف الممانعة يعزف على وترها منذ الانزلاق الأول في الحرب السورية.

لا فرق بين السقوط في ريف حمص او في درعا طالما أن الموت هو النتيجة الوحيدة التي يخرج بها «حزب الله» من هذه الحروب. كما وأن حجم التورط الذي أحدثه تدخل الحزب في سوريا، انسحب أيضاً على حلفائه في قوى الثامن من آذار. فهؤلاء كانت لهم خسائر بشرية غير قليلة من خلال مشاركتهم في الحرب وهم مستمرون فيها حتى اليوم حيث يعوّل الحزب على وجود بعضهم في أكثر من نقطة وتحديداً تلك الواقعة على مقربة من المناطق المحاذية للحدود مع اسرائيل. وقد سقط لهؤلاء الحلفاء الكثير من العناصر منهم الحزب «السوري القومي الاجتماعي» وحزب «البعث»، وكأنه تكافل وتتضامن في «لعبة» موت لم ينتج عنها، أي ربح مادي أو معنوي.

سنوات ست مضت من عمر الحرب السورية المجنونة في كافة جوانبها. الدماء ما زالت تنزف هناك والجوع يُحاصر الكبار والصغار. حلف لم يتعب بعد لا من قتل الأبرياء ولا من ازهاق أرواح عناصره على جبهات الموت ولم يمل من وعود «النصر» المُتكرّرة ولا من إطلاق شعارات برّاقة تتبدّل بحسب الزمان والمكان. أطفال سوريا، يُشبهون الموت في الشكل والمضمون. أجساد نحيلة يُمنع عنها الغذاء والدواء تتهاوى منفردة في لحن يُشبه لحظات الوداع أمام دموع والد ووالدة لا حول لهما ولا قوة سوى الدعاء بأن يمد الله بعمر أطفالهم وأن يُلهم القتلة فك قيد الخناق والحصار عنهم.

امام مشاهد الألم وصور القهر والموت بأبشع الأساليب، تسقط ورقة التوت عن حلفاء لم يستطيعوا تطويع الكبار، فأداروا سلاح الجوع نحو الأطفال. وعلى أمل العيش حتى يوم غد، يُصر الشعب السوري على الرغم من القتل والتنكيل والدمار، الخروج بمظاهرات سلمية تندد بالموت الذي يُلاحقه داخل سوريا وخارجها. ومقابل التضحيات هذه، ثمة بيئة في لبنان ترى في الدعوات إلى «الواجب الجهادي» أنها لزوم التعبئة والسير خلف النعوش، أو أشبه بـ «الحرث في البحر».