IMLebanon

حزب الله في البقاع

 

قال لي رجل أعمال لبناني أمضى سنوات طويلة في ديار الاغتراب «لم أكن أتصور أن هناك منطقة في لبنان تشبه المنطقة الحدودية بين الأردن والسعودية».

استغرب كيف أن الأرض قاحلة على ضفاف العاصي، وقد ظن أنها ضفاف الفردوس. سأل «أين الناس؟». أجبت «…بل أين الدولة؟».

وقال لي الصحافي المصري البارز أحمد بهاء الدين أنه زار لبنان في الخمسينات من القرن الفائت، وفوجئ بالصحف تكتب، دون أي تعليق، ان الجيش يقصف العشائر بالمدافع. استهجن كيف أن دولة تقتل رعاياها بتلك الطريقة (قبل أن يتحول في زمننا الى… موضة).

دولة القانون، وهي دولة اللاقانون، كانت تضرب أبناء العشائر بصفتهم خارجين على القانون. لا مدارس، لا طرقات، لا ماء، لا كهرباء، لا أشغال. هؤلاء يفترض أن يثوروا على الدنيا وليس فقط على الدولة.

وحين كتبت عن «زنوج الجمهورية»، اتصل بي أحدهم «يا صاحبي اننا أيضاً زنوج الطائفة». اضاف «يمكنك الكتابة اننا الهنود الحمر».

ما ينطبق على البقاع الشمالي والشرقي، ينطبق على بعض مناطق البقاع الأوسط. لولا الكويت لما كان هناك طريق يليق بالكائنات البشرية بين رياق وبعلبك، ولولا ايران لما كان هناك طريق بين بعلبك والهرمل (مع امتناننا للوزير غازي زعيتر على طريق رياق ـ زحلة الذي لم يعد طريق جهنم).

على هذا الأساس، يفترض بالذين تعاطوا بغطرسة، عبر الشاشات، مع من اعترضوا على ترشيحات «حزب الله» في البقاع، أن يدركوا مدى معاناة أهل المنطقة، وأن يدركوا ماهو «حزب الله»، وما هي أدبياته، وما هي أخلاقياته.

الذين لا يدركون من هو السيد حسن نصرالله الذي كان لي شرف أن يعانقني، ذات يوم، ويقول لي «حين أقرأ لك أشعر بالعنفوان».

حيث في الرجل عبقرية الشفافية، وعبقرية التواضع، وعبقرية الزهو التي هي أحياناً الوجه الآخر لعبقرية الألم. اختزالاً لكل هذا. في السيد… عبقرية القلب.

مقاربة في المنطق: لولا «حزب الله» لما بقي أحد من أهل البقاع في منزله، وربما في هذه الدنيا، ولأصاب المدن والقرى ما أصاب المدن والقرى في العراق وسوريا، دون أن يتوقف التسونامي البربري عند طوائف معينة. الأكثرية من أهل السنّة هم أهل الانفتاح والاعتدال.

الذين يرون الأمور من ثقب الباب يقولون لولا الحزب لما اقتربت منا تلك التنظيمات التي اذ ترفع رايات الاسلام فهي بعقلية الحجاج بن يوسف لا بعقلية أبي ذر الغفاري.

نعلم جيداً كيف يفكر منظّرو التنظيمات، وقد التقينا بعضهم,وحذّرنا مسؤولين سوريين من أنهم يحفرون الأنفاق تحـتهم. لكنهم كانوا يغطون في نوم عميق.

اذ توجد بين أيدينا تفاصيل السيناريو الذي وضع لتدمير الحزب وترسانته الصاروخية، فقط لأنه العدو الأكبر لاسرائيل، نذكّر بأن مقاتليه لم يكونوا على الأرض السورية, حين ارتفعت شعارات، وأصوات المغول الجدد.

هل هناك «حزب الله « في مصر، وفي ليبيا، وفي تونس، أو حتى في نيجيريا. ثمة وباء ايديولوجي مبرمج، كما الأوبئة البيولوجية المبرمجة، وكان يهدد لبنان أكثر من أي بلد آخر.

من لا يدري أن «حزب الله» هو الذي حال، وبالتكاتف، وبالتفاهم، مع المؤسسة العسكرية دون تفجير الحرب الأهلية؟ وكنا لاحظنا كيف ان الكثير من رجال السياسة، والكثير من رجال الدين، باللحى الصفراء والأسنان الصفراء، دأبوا على التأجيج المذهبي، في حين كانت الخلايا تتشكل لتحويل  طرابلس، وهي مدينة الورع والالتقاء، الى قندهار على شاطئ المتوسط.

ولكن يحق لأهل البقاع أن يعترضوا ويسألوا «ألا تستحق البيئة الحاضنة، وهي التي تضج بالأدمغة، مرشحاً واحداً؟ مرشحاً واحداً ياجماعة». قد يكون الجواب «لو فتحنا هذا الباب لما كان بالامكان اقفاله، ولكانت ردات الفعل أكثر صخباً وأكثر حساسية بكثير»..

يحق لأهل البقاع أيضاً أن يعترضوا دون أن يواجهوا بالتعالي من «بلابل الشاشات»، وأن يسألوا «أليس هناك من هم أكثر كفاءة، وديناميكية، وأكثر قدرة على المواجهة في هذه الحقبة المحورية، من بعض الذين تم اختيارهم ؟»، مع اقتناعنا بوجود كفاءات استثنائية بين المرشحين.

لنكن أكثر وضوحاً. المرحلة في منتهى الدقة والخطورة. هذا وقت رص الصفوف لا وقت التبعثر، وقت التفكير العميق لا وقت المقاربات العصبية (وقد تكون أكثر من محقة).

لنا حق الاعتراض، ولكن يفترض أن ندرك أين نقف الآن. أين يقف لبنان. أين تقف المنطقة…