ماذا كان «حزب الله» ليفعل، لو أُسندت إليه افتراضاً، حقيبة وزارة الثقافة في الحكومة اللبنانية المزمع تأليفها؟ طبعاً يتحاشى «حزب الله» مثل هذا المنزلق، مدركاً كل الإدراك أنّ هذه الوزارة لو صدف أن تسلّمها، ستفضح ما يسميه «ثقافة المقاومة» وستبرز حال التقوقع الثقافي الذي يعيشه وواقع اغترابه أو استلابه إزاء الثقافة اللبنانية، ثقافة الحرية والانفتاح على العالم و «الآخر» والعصر… وعلى رغم التزامه ما يسمى «الفن الهادف» وهذه مقولة مفتوحة وغير واضحة ويمكن تأويلها بحسب ما يفترض الظرف، فهو عاجز عن التخلي عن مقولته الثابتة «ثقافة المقاومة» التي تعني جهاراً «ثقافة الموت». وقد يكون تلفزيون «المنار» خير شاهد على هذه الثقافة سواء في تجييشه المذهبي الدائم الذي يبدو عسكرياً تارة ومأسوياً طوراً. إنها ثقافة الحض على الاستشهاد ولو في سورية أو اليمن وسواهما.
لم ينجم موقف إحدى المذيعات في تلفزيون «المنار»، وهي تمثّل الجيل الحزبي الشاب، ضد النجاح الذي حقّقه فيلم «كفرناحوم» للمخرجة نادين لبكي في مهرجان «كان» الدولي عن هفوة أو زلة لسان، بل عبّر عن حقيقة ما تضمره أيديولوجيا «المقاومة» من كراهية للغرب ومهرجاناته وحقد على اللبنانيين الذين يثبتون حضورهم في قلب هذا الغرب، فنياً أو ثقافياً. لو فاز فيلـــم نادين لبكي في مهرجان ترعاه طهران لكان فوزها انتصاراً لجبهة الصمـــود والتصدي وصفعة للعدو الإسرائيلي والإمبريالية. أما أن تفوز في مهرجــــان سينمائي فرنسي، ففوزها عرضة للشك والمساءلة. وفات مذيعة تلفــــزيون «المنار» أن فيلماً إيرانياً للمخرج الإيراني الكبير أصغر فرهادي كــــان شارك في المسابقة نفسها التي حصد الفيلم اللبناني جائزتها. أما الجملة أو التغريدة التي أطلقها النائب نواف الموسوي عبر «تويتر» والتي سخـــر فيها من الفيلم الفائز ومن الفن اللبناني المنتصر خارج مفهوم «حزب الله» لـ «الانتصار» وقال فيها: «بلا لبكي وبلا وجع راس، وقت الجد ما في غير سلاحك بيحميك»، فلم تكن أيضاً مجرد غلطة أو سقطة لفظية مقدار ما عبّرت عن نظرة سلبية إلى الثقافة التي لا تنضوي تحت لواء أيديولوجيا «حزب الله» وفلسفة سلاحه. بدت هذه الجملة النافرة وغير المتوقعة من مثقف «عضوي» أقرب إلى ما يسمى «لابسوس» في علم النفس أي هفوة تخفي في قرارتها حقيقة مضمرة أو مبيتة. كان النائب محمد رعد هاجم أكثر من مرة حال «الفلتان» الثقافي الذي تشهده بيروت وحرك إصبعه في إشارة تهديد ووعيد، وكأنه وحزبه هما المكلّفان رسمياً حماية الثقافة اللبنانية وصونها من «الفلتان» الذي يعني في حساب «حزب الله» الموسيقى والغناء والرسم والنحت والمسرح والسينما. الفن اللبناني إما أن يكون «هادفاً» أو لا فن في لبنان. ما تراه يكون هذا الفن «الهادف» الذي يدعو «حزب الله» إليه؟
قد يحق للمذيعة في «المنار» أن تعلن موقفها السلبي من «الانتشار» اللبناني الثقافي في العالم، وقد يحق أيضاً للنائب محمد رعد أن يرفع إصبعه مندداً، أما أن يصدر عن النائب الموسوي مثل هذا الكلام الشائن والنابي فهذا ما يدعو إلى الاستغراب. يبدو أن الموسوي نسي أنه مترجم المستشرق الفرنسي العرفاني الكبير هنري كوربان وتحديداً كتابه الضخم «عن الإسلام في إيران». وعندما صدر الجزء الأول من الكتاب عن دار النهار كان فعلاً حدثاً ثقافياً جعل الموسوي في خضم الحوار العربي– الاستشراقي، فمن يحتك بأعمال كوربان لا بد له أن يتأثر بثقافته الإسلامية الغنوصية المشبعة بالحكمة والفكر الإشراقي والعرفاني، وكان هو خير من كتب عن السهروردي والشيرازي وابن عربي وسواهم. أهو الموسوي نفسه الذي ترجم كوربان من يمتدح السلاح، سلاح «حزب الله» الذي انتقل من جبهة المقاومة إلى جبهة النظام الأسدي مشاركاً في قتل الشعب السوري وهدم أحيائه وبيوته؟ يكتب الموسوي في تغريدة أخرى قائلاً بلهجة المنتصر على اللبنانيين أنفسهم: «ليست مسألة هامشية بل هي قضية من يضع المعايير. ولّى زمن فرض معايير علينا، فنحن من يضع المعايير».