عنوان جديد اسمه «الزبداني» طرأ حديثاً على خط سير الحرب التي يخوضها «حزب الله» في سوريا والذي بدأ يحشد له آلاف العناصر ضمن عملية تهدف إلى إسقاط بلدة يصل تعداد قاطنيها اليوم أكثر من 20 ألف نسمة معظمهم من النساء والأطفال، ومع هذا الحشد يصح القول بأنه بعد «الغوطة الشرقيّة» والقصير» و«القلمون»، ها هي «الزبداني» تتحوّل إلى عنوان جديد للموت.
ضمن حربه التي أعلن عن بدئها منذ فترة غير بعيدة في «القلمون»، فإن بلدة «الزبداني» لا يُمكن ان تُشكّل خطراً على «حزب الله» في ما لو تمكّن فعلاً من حسم معركته في «القلمون لصالحه، لكن وفي ظل تخبّطه على جبهات القتال وعدم إحرازه أي تقدّم على أي منها، بدأ الحزب يبحث عن نصر جديد يُهديه إلى جمهوره بدل النعوش التي تفده على مدار الأيام، فلم يجد غير «الزبداني» وأهلها عنواناً جديداً لمعركة يخوضها بالصوت والصورة وبسلاح لم يحفظ مُطلقوه غير صور الأطفال لتوجيه نيران الحقد صوبهم.
في سياق الجبهة الجديدة هذه، لا بد من الدخول في عملية حسابية بسيطة يتبين أن مجموع ما خسره «حزب الله» من عناصر وعتاد منذ تدخّله في الحرب السوريّة، لا تجوز مُقارنته في أي شكل من الأشكال مع ما حقّقه ميدانيّاً ولا مع الأهداف التي كان أعلنها يوم انخراطه بهذه الحرب، رغم أن الحزب كان تكبّد خسائر أقل بكثير في مواجهته مع إسرائيل طيلة ثلاثين عاماً لكن المواجهة هذه أدّت في نهاية المطاف إلى انسحاب إسرائيل من الجنوب، على عكس اليوم حيث إن الحزب غير قادر على الاحتفاظ بموقع عسكري لفترة تزيد على اسبوع على أبعد تقدير.
على الرغم من التأييد الشعبي داخل بيئة «حزب الله» للخيارات التي يتّخذها ومنها خيار الذهاب إلى الحرب في سوريا تحت مُسميات وعناوين عدّة، يُلحظ أن هناك بعض حالات التململ وإن لم تتظهّر بشكل كبير بعد داخل بيئته بدأت تُعلن تململها من الوضع الخطير والصعب الذي ينعكس نتيجة هذا التدخّل، وقد وصل هذا الامتعاض في بعض جوانبه إلى حد طرح مجموعة أسئلة من بينها: ماذا بعد «الزبداني»؟ وماذا لو طال أمد هذه الحرب لعشرات السنين؟
المعروف وأنّه منذ بداية انخراطه في الحرب، أوهم «حزب الله» أبناء طائفته أن تدخّله هو للدفاع عنهم وليس للدفاع عن الرئيس السوري بشّار الأسد وتثبيت كُرسيّ حكمه، وهو الذي كان قاب قوسين أو أدنى من مُغادرة سوريا باعتراف أحد نوّاب الحزب البارزين ضمن مجلس خاص عندما قال: «قلبنا الميمنة على الميسرة وأعدنا تثبيت الأسد بعدما كان دخل مرحلة تفاوض حول المكان الذي يُمكن أن يلجأ اليه». أمّا اليوم فيبدو أن وضع طائفته أمام خيار أوحد، أن هذه الحرب حربكم وأنتم مُجبرون في الدفاع عن أنفسكم وأرضكم في مواجهة عدو استبدل هدم «المقامات» برقابكم.
انقلاب الصورة. تهرّب الجنود من الالتحاق بخدمتهم العسكرية أثناء الحروب، أمر اعتادته بعض الجيوش الغربيّة والعربيّة أثناء حروبها ومنها ما هو مُستمر حتى اليوم، وما يشهده جيش النظام السوري من حالات فرار وانشقاقات في صفوفه، لهو دليل واضح على هذه الصورة. لكن أن تصل الأمور إلى داخل بيت «حزب الله» ولو بنسبة صغيرة جدّاً مُقارنة مع أعداد عناصره المُتواجدة في سوريا، فهذا أمر لم يكن يوماً في حسبان القيادة العسكرية، رغم حالات التهرّب التي حصلت من قبل بعض عناصره أثناء حرب تموز العام 2006 والتي وعدت يومها قيادة الحزب باتخاذ إجراءات صارمة.
بين جبهات الاستنزاف التي يفتتحها «حزب الله»، يُلاحق والد عنصر في الحزب أخبار ولده ويتقصّى عبر أصدقائه الأماكن التي يتواجد فيها داخل سوريا، فهذا الوالد لا يترك وسيلة أو عنوان مسؤول إلّا ويطرق بابه لمساعدته على نقل خدمة ابنه من أماكن مُشتعلة وتشهد معارك ضارية في الوقت الذي يُخبر فيه عن تمكّن عدد من المسؤولين في الحزب من نقل أبنائهم إلى مناطق أقل توتّراً منهم من جرى نقله إلى معلم «مليتا» السياحي في إقليم التُفّاح.
من نافل القول إن داخل بيئة «حزب الله» توجد فئة واسعة تربّت على المقاومة والنضالات في وجه عدة واحد هو الإسرائيلي واتخذت من مقاومتها له قضيّة ما زالت تحملها حتّى اليوم في فكرها وعقيدتها خصوصاً وأن العدو نفسه ما زال يستوطن عند حدود قُراهم. الفئة نفسها تسأل اليوم عن مُخطّط كان حرف بوصلة الصراع مع إسرائيل من خلال الإيقاع بينهم وبين الشعب القلسطيني في مُخيّمات لبنان في الثمانينات، ويُستكمل مع الشعب السوري.