حسم المعركة ينتظر القرار السياسي في «التوقيت المناسب»
«حزب الله» في الزبداني: قاتلناهم فوق الأرض.. وتحتها
قالها المسؤول الميداني بثقة.. وسكت عن الكلام المباح.. وكأنه ينام على أمر كبير، قبل أن ينضم الى كوكبة من الشباب، في فترة استراحة موقتة من تعب المواجهات مع المجموعات التكفيرية التي تخطف تلك المدينة.
دارت الدردشة بينهم بلغة الميدان. استعادوا مشاهد لا تنسى في تلك المواجهات التي توشك ان تنهي اسبوعها الرابع: هنا اقتحمنا.. هناك أطبقنا على مجموعة.. أشكالهم غريبة.. لا يعطون قيمة لقتلاهم، تركوهم على الارض وهربوا.. وهنالك اصطدنا قناصا.. وهنالك ايضا فاجأناهم ولم يخرج احد منهم حيا.
«نحن نقاتلهم فوق الارض.. وتحت الارض ايضا»، قالها الشاب الثلاثيني، في معرض حديثه عن الأنفاق التي حفرتها المجموعات المسلحة، والتي تشبه تلك الأنفاق التي تم العثور عليها في القصير، وبعمق يتراوح بين مترين واربعة امتار، وطولها يتراوح بين 40 مترا و100 متر، وأحياناً اكثر من ذلك، ويتردد انه تم العثور على نفق يزيد طوله عن 300 متر في حي طلعة الوزير في القسم الجنوبي للمدينة. ما زال «فريق التنقيب» عن الأنفاق يعمل، فلدى المقاومة والجيش السوري معلومات عن وجود «شبكة أنفاق» تحت الزبداني، تشكل ملاذا للمسلحين، وبعضها تتفرع منه أنفاق تمتد من حي الى حي. وفريق التنقيب هذا يعمل بالتوازي مع فريق تنقيب آخر، انما عن التشريكات والمفخخات والعبوات التي تم اكتشافها، وتفجيرها، واللافت انها معدة باحتراف، وتبلغ زنة بعضها مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة.
«هنا سقط الشهيد فلان، وهناك سقط آخر، لقد غدره القناص»، يقول احد الشباب، قبل ان يقطع الهدير كلامه، ها هي طائرة حربية سورية، «تراسل» التكفيريين المتمركزين في إحدى البنايات في اعالي البلدة بحمولة شديدة الانفجار. ومن ثم تغيب الطائرة في السماء. واما على الأرض، فزخّات غزيرة من الرشاشات والراجمات والمدافع.. كلها تصب باتجاه تلك البقعة وما يحيطها من بنايات وكتل اسمنتية متقاربة ومتلاصقة.
«هؤلاء الشباب.. هم ملوك الميدان واسياده في الزبداني»، قالها المسؤول الميداني، ويضيف: «اما هم، (اي التكفيريون والمجموعات المسلحة)، فصاروا محاصرين ومحصورين في كيلومترات قليلة جدا، وأشدد هنا على قليلة جدا، (في بلدة تقارب مساحتها الاربعمئة كيلومتر مربع)، ومساحة الانتشار التكفيري في البلدة تضيق يوما بعد يوم.. نتعامل معهم على مهل، ووفق الخطة المرسومة. وكذلك وفق قرار قيادة المقاومة وتوجيهاتها للمقاومين: انجزوا مهمتكم على أقل من مهلكم، انتبهوا، وتيقظوا، وكونوا حريصين، وقللوا خسائركم.. خذوا وقتكم ولا تستعجلوا، فلا شيء يدعو الى العجلة».
وبناء على تلك التوجيهات، يضيف المسؤول الميداني، نحن حاليا «ننقّر» فيهم على مهلنا، خطوة خطوة، قضمة قضمة، بيت بيت، بناية بناية، طابق طابق، شقة شقة.. نحن قريبون منهم اكثر مما يعتقدون، تفصل بيننا وبينهم بضعة امتار ولا يعلمون بوجودنا بالقرب منهم، نسمع اصواتهم بوضوح، وفي بعض الامكنة نحن واياهم في البناية ذاتها، وحتى في الطابق ذاته.. وكل هذا يضع المسلحين امام خيار من اثنين: اما الموت.. واما الاستسلام.. واما عددهم فبالمئات.
يعني ذلك.. وكأنكم في ستالينغراد، يقال له؟
الواقع الميداني للزبداني، كما يعرضه احد «ملوك الميدان»، هو انّ المدينةَ مُطْبَقٌ عليها بالكامل، ومطوقة بالكامل «في الاساس لم تكن الخطة العسكرية تطويق المدينة ومحاصرتها بالكامل، لكن ميدانيات المعركة هي التي حتمت علينا ذلك».
ثم يضيف: «في بداية عملية تحرير الزبداني، اعتمدت المقاومة، ومعها الجيش العربي السوري، تكتيكا يقوم على ترك ممر آمن للمسلحين لكي يغادروا المدينة عبره. الا أنّ المسلحين لم يفهموا هذه الرسالة، بل اعتقدوا اننا عاجزون عن السيطرة على المنطقة حيث يقع هذا المنفذ، وبدل ان يخرجوا عبره، حاولوا ان يستخدموا هذا المنفذ الذي هو تحت أعيننا، ممرا لاستقدام التعزيزات والسلاح والتموين. فكان لا بد في هذه الحالة من ان نقطع هذا الشريان، وهكذا كان. الآن هي مطوقة بالكامل، والطيران الحربي يدك على مدار الساعة نقاط ومواقع تمركز المسلحين، وخياراتهم ضيقة: الاستسلام او الموت».
حتى الآن ليس في امكان شباب المقاومة تقدير الخطوة التي يمكن ان تسلكها المجموعات المسلحة في الزبداني إن في اتجاه الاستسلام او غير ذلك، خاصة ان المسلحين في الزبداني، ليسوا فصيلا واحدا بل هم فصائل متفرقة موزعون كما يلي:
– منهم من هو عقائدي وغالبيتهم من الاجانب ومن خارج الزبداني (جبهة النصرة)، وهؤلاء محترفون، ولهم تجارب سابقة في افغانستان والعراق والشيشان، وبالتالي يقاتلون قتالا عنيفا. ويندفعون الى ارض المعركة بالعشرات والمئات دفعة واحدة.
– منهم من هو مدرب ويتمتع بكفاءة قتالية، وكان سابقا في الجيش السوري النظامي (الجيش الحر)، ولكن اقل فعالية وقدرات من العقائديين التكفيريين.
– منهم من هو انتهازي من ابناء المدينة والمناطق المجاورة، وركب الموجة. عددهم ليس بكثير، وليسوا اساسيين في المعركة، فاقصى ما يمكن ان يفعله هؤلاء هو الحراسات.. انما في المواجهات تراهم اول من يهرب من ساحة المعركة. وينطبق هذا ايضا على الصنف الآخر من المسلحين، وهؤلاء اصلا إما من اللصوص، واما من الحشاشين، واما من شبيحة وزعران الاحياء، الذين يحملون السلاح مع اي كان لقاء اي ثمن. فهؤلاء ايضا اول من يهرب، ولا خوف منهم».
يفهم من كلام شباب المقاومة ان هناك اتصالات تجري في مكان ما.. «احرار الشام» ارسلت اشارات جدية بأنها على استعداد لأن تدخل في مفاوضات جدية لانهاء وضع الزبداني، وهذا يعني ان تلقي السلاح ويغادر المسلحون التابعون لها المدينة، (معظم المسلحين التابعين لـ «أحرار الشام» هم من المدينة وجوارها)، الا انها تتعرض للضغط من قبل المسلحين الاجانب (غالبيتهم من جبهة النصرة).
وان يضغط المسلحون الاجانب لكي يمنعوا «احرار الشام» من الدخول في مفاوضات وإلقاء السلاح وترك المدينة، معناه انهم اتخذوا قرارا بأن يقاتلوا حتى الموت، وهذا احتمال. ولكن ثمة احتمال ربما يكون اقوى في نظر شباب المقاومة، وهو الانهيار السريع، وقد سبق لهم ان مروا بتجربة انهيار مفاجئ للمسلحين في القصير. يقول احد الشباب: في ذلك اليوم، تحضر شباب «حزب الله» لهجوم لكي يصلوا الى ساحة بلدية القصير، فلما دخلوا وجدوا القصير «فاضية»، وان المسلحين قد هربوا. ونحن الآن في الزبداني نضع في رأس قائمة الاحتمالات ان نستيقظ يوما على انهيار دراماتيكي مفاجئ للمسلحين، ربما غدا او بعده او ما بعد بعده.. فلننتظر قليلا، ولا اعتقد اننا سننتظر طويلا.
ما يعزز فرضية انهيار المسلحين، وبالتالي الاستسلام او الهروب، هو انهم صاروا محصورين ضمن مساحة ضيقة، حركتهم مقيدة، ضعف التموين، النقص في السلاح والعتاد. وما يلفت اليه الشباب، هو ان هؤلاء المسلحين يحمون مواقعهم حاليا بالاعتماد على القنص، وبينّت الوقائع الميدانية ان من بينهم قناصين محترفين جدا (تونسيين وشيشاناً).. والعدد الاكبر من شهداء المقاومة سقطوا برصاص القنص.
وقد تمكن الشباب، ومعهم الجيش السوري النظامي، من معرفة كيفية معالجة موضوع القناصين. في البداية كان يتم التعامل مع القناص بمحاولة تحديد موقعه ومن ثم يجري التعامل معه بالنار لاسكاته، ولكن تغير هذا التكتيك حاليا، إذ لم تعد هناك حاجة لتحديد موقعه وفي اي شقة او اي طابق يتمركز، بل صار يُكتَفَى بتحديد البناية التي يتمركز فيها، ومن ثم يتم تدميرها فوق رأسه وتسويتها بالارض. وقد اثبت هذا التكتيك نجاحا.
في الخلاصة يقول المسؤول الميداني: «انتهت الزبداني، ورجال المقاومة والجيش العربي السوري يستطيعون اسقاطها بالكامل ونهائيا في اية لحظة، فلا منفذ للمسلحين، والطيران يدكها كل يوم، وعلى مدار الساعة، اما لماذا لا يتم الإجهاز على الزبداني نهائيا وسريعا، فلأن قرار الزبداني في الوقت الحاضر، هو قرار سياسي، وليس قرارا عسكريا، وحتى التوقيت صار توقيتا سياسيا، وبالتالي القرار النهائي يعود الى القيادة السياسية للمقاومة وللجيش السوري في ان تختار التوقيت المناسب لاعلان اسقاط الزبداني فعليا ورسميا.
يدعو المسؤول الميداني الى ملاحظة ان «هذا التقدم في الزبداني، يجاوره التقدم الكبير في تدمر، والصمود في كفريا والفوعة، ويجاوره ايضا رد الهجوم العنيف في درعا مؤخرا، وتجاوره التحضيرات الجدية لطي صفحة بيبيلا وبيت سحم وحتى الحجر الاسود في ريف دمشق. وأهم ما يجاوره في الآتي من الايام في المدى المنظور، هو التحضير للحسم النهائي في جرود عرسال.