هل يحتاج «حزب الله» فعلاً إلى تطمينات سياسية تواكب عودته من سوريا التي دخلت الأزمة فيها مرحلة جديدة؟ وهل إغراء الحزب بانتخاب رئيس من صفوفه يندرج في هذه الخانة استباقاً لأيّ ردّ فعل يمكن أن يقدم عليه بعد عودته إلى بيئة سياسية لا تشكّل مصدر ارتياح له؟ وهل مرحلة اليوم تشبه مرحلة العام 2005 التي «استدعت» تحالفاً رباعياً لتطمين الحزب بغية تسهيل عملية الانتقال من حقبة إلى أخرى؟
تدخل هذه التساؤلات وغيرها في صميم الأسباب الموجبة التي أعطيَت لترشيح النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، الأمر الذي استدعى التدقيق في واقعيتها وجدّيتها، خصوصاً أنّ التطمينات يعطيها غالباً الفريق المنتصر للفريق المهزوم، فهل الأزمة السورية تؤشر إلى نتيجة من هذا النوع؟ وهل هذه التطمينات هي نوع من التنازل الاستباقي أمام حتمية انتصار محور الممانعة؟
كلّ مَن لا زال يعتقد بأنه سيخرج منتصراً من الأزمة السورية هو واهِم، خصوصاً بعد أن وضع المجتمع الدولي يده على هذه الأزمة التي ستفضي إلى نتيجة واحدة: لا غالب ولا مغلوب. فلا طهران ستخرج منتصرة، ولا كذلك الأمر بالنسبة إلى الرياض، وذلك مهما طال الزمن أو قصر، وبالتالي لا الحزب في حاجة إلى تطمينات لبنانية، ولا الفريق المقابل بحاجة إلى تنازلات استباقية.
والكلام عن تطمينات يوحي وكأنّ «حزب الله» في موقع ضعف، والفريق الذي يستعدّ لتقديم هذه التطمينات هو في موقع قوّة، فيما العكس هو الصحيح، خصوصاً في ظلّ سحبِ الفريق الأخير سلاحَ الحزب من التداول السياسي والإعلامي، وعدم استعداده العودة إلى السنوات الأولى من انتفاضة الاستقلال، بل كلّ هدفه بات التطبيع في محاولة لتحييد الصراع السياسي عن دورة العمل المؤسساتية على غرار ما هو حاصل اليوم.
فالبيئة التي سيعود إليها «حزب الله» من قتاله السوري ليست مستنفرة ضدّه، ولولا إقراره بهذا القتال وتشييعه الضحايا التي تسقط تباعاً، لكان من الصعوبة ملاحظة هذا الانخراط في القتال الذي لم ينعكس على أدائه السياسي في الداخل حيث يفصل فصلاً تامّاً بين الساحتين اللبنانية والسورية، وبالتالي خروجه من سوريا سيكون كما دخوله إليها، بعيداً عن المظاهر العلنية، ولن تؤدي عودة عناصره إلى لبنان إلى تبديل سلوكه السياسي.
وكلّ مَن يفترض أنّ هذه العودة سترَتّب تداعيات خطيرة على الاستقرار اللبناني ينطلق من مقولة أنّه سيخرج مهزوماً من سوريا، ويريد أن يعوِّض في لبنان عن خسارته السورية، أو أنّه يريد بالحد الأدنى حرفَ الأنظار عن هذه الخطوة، فيما الحزب لن يخرجَ من سوريا إلّا بعد اكتمال عناصر التسوية التي لن يكون فيها لا رابح ولا خاسر.
وفي موازاة ذلك، لا يمكن مقارنة الوضع اليوم بالوضع بعد الخروج السوري من لبنان، وبعد 7 أيار واتفاق الدوحة، لأنه في مرحلة الخروج السوري كان لبنان والمنطقة أمام «هجمة» دولية وأميركية تحديداً، وتحَوُّل مفصلي لا يمكن تقدير مؤدّياته في ظلّ الكلام حينذاك أنّه سيطال سوريا بعد العراق، وأنّ القرار 1559 صدر لينفّذ بشقّيه انسحاب الجيش السوري ونزع سلاح «حزب الله»،
وبالتالي من البديهي في أوضاع من هذا النوع أن يكون الحزب بحاجة إلى تطمينات داخلية يستطيع من خلالها أن يتفيّأ التوافق الوطني لتقطيع الهجمة الخارجية من ضمن سياسة شراء الوقت، وهذا ما حصَل مع التحالف الرباعي الذي عاد وأسقَطه الحزب سياسياً مع إعلانه وثيقة التفاهم مع العماد ميشال عون، وعسكرياً مع حرب تموز 2006 التي أوجدت معطيات لبنانية وإقليمية جديدة.
وفي اتفاق الدوحة كان الحزب بحاجة إلى تطمينات سياسية، على رغم حيازته السلاح، فانتزع الثلث المعطّل من أجل فرملة اندفاعة 14 آذار الحكومية، وتجنّب استخدام السلاح مجدداً في مواجهة قرارات سيادية. وعندما وجد أنّ حاجته تتجاوز الثلث المعطل إلى الحكومة مجتمعةً أسقط اتّفاق الدوحة وحكومة الرئيس سعد الحريري في ضربة واحدة.
وأمّا اليوم فالوضع مختلف عن عامي 2005 و 2008 أقلّه على مستويين: لا معطيات خارجية تصبّ في مصلحة الفريق المناهض للحزب، والعكس صحيح أيضاً، ولا نيّة جدّية لهذا الفريق المناهض بالدخول في مواجهة سيادية مع الحزب، بل جلّ ما يريده ترحيل الخلافات حول العناوين الكبرى إلى مرحلة التسويات في المنطقة بالحدّ الأقصى، وربط نزاع تحت سقف المؤسسات والحوار بالحد الأدنى، وبالتالي، في ظلّ هذا الوضع لماذا يكون الحزب بحاجة إلى ضمانات وتطمينات؟
ففي ظلّ الهدنة السياسية المفتوحة بين 8 و14 آذار، والتوازن المطلوب داخل الحكومات، والحوار السنّي-الشيعي لترسيخ الاستقرار، وتأجيل البحث بالملفات الخلافية، لن يكون «حزب الله» بحاجة إلى ضمانات إضافية من قبيل انتخاب رئيس جمهورية من صفوفه، والذي يشكّل في حال حصوله بمثابة الهديّة المجانية التي لم يطلبها الحزب ولم يتوقّعها.
وإذا كانت الضمانة الأولى للحزب سلاحه، والضمانة الثانية دستورية من خلال الثلث المعطل الظاهر أو المموَّه، والضمانة الثالثة سياسية عبر تحييد سلاحه عن النقاش، فما التطمين الإضافي الذي سيَمنحه الرئيس العتيد للحزب في ظلّ الضمانات الثلاث التي بحوزته؟ عملياً لا شيء، بل انتخاب رئيس من صفوفه يخرج عن إطار التطمينات ويندرج في سياق مدّ الحزب نفوذَه وتقليص نفوذ الفريق الآخر.
ومن ثمّ أيّ رئيس توافقي لن يكون في وارد تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان في نهاية عهده، لأنّ الاصطدام بالحزب يفقِد العهدَ هامشاً وطنياً نتيجة مقاطعتِه للرئيس، ولا يمكِّن العهد من استثمار موقفه بشكل عملي مسيحياً ووطنياً، وبالتالي أيّ رئيس توافقي سيكون حريصاً على تدوير الزوايا مع كلّ القوى التي عليها أن تحافظ على دورها الوطني وميزان القوى القائم من أجل تمكين الرئيس من القيام بدوره التوافقي المطلوب.
وانطلاقاً ممّا تَقدّم يجب التمييز بين ما يندرج في خانة التطمينات، وما يندرج في خانة المكاسب، حيث إنّ التسوية الرئاسية تشكّل مكسباً للحزب قُدِّم إليه ورفضَه، لأنّه مطمئنّ إلى التطمينات التي بحوزته، وغير مستعجل على المكاسب.