IMLebanon

«حزب الله» مهتمّ بسقــوط حلب لا بإنتخاب رئيس

يقول أحد السياسيين: يمكن إطلاق تسمية «سفير النيات الحسنة» على الرئيس سعد الحريري. فلولاه لما كان الهدوء السياسي التشريني. وهكذا، فإنّ «البلد ماشي»، وأمور الجميع «ماشية»: بري وجنبلاط و»حزب الله». ولكن لا رئيس في الأفق. فليس بـ»النيات الحسنة» وحدها يُصنع الرئيس!

يريد عون من الملف الرئاسي أن يوصله أخيراً إلى بعبدا، ويريد الحريري من الملف تسوية سياسية متوازنة تعيده قوياً إلى السراي. وضمن هذا المفهوم، يرى الرئيس نبيه بري أنّ «السلّة المتكاملة» هي الترجمة الفضلى للتسوية. وأما «حزب الله» فليس مستعجلاً على شيء، ولا يطمح إلى تولّي أي موقع، خصوصاً أنّ المواقع كلها «تحت السيطرة».

وحتى إشعار آخر، يبقى القرار الرئاسي في لبنان في يد «حزب الله»، ومن خلاله محور طهران – الأسد. ومن هنا، يمكن إدراك الأسباب الكامنة وراء التعثّر، على رغم المساعي المكثفة التي يقودها الرئيس الحريري في بيروت، والتي تقوده إلى عواصم دولية وإقليمية، وفي مقدمها موسكو.

فالحريري يريد في العاصمة الروسية توسيطها مع إيران لتسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان. وهو حاول في أوقات سابقة توسيط فرنسا والفاتيكان والولايات المتحدة. لكنّ إيران لا تبدو حتى اليوم مستعجلة لبيع ورقة الرئاسة. وربما تكون الأثمان أفضل في مرحلة آتية.

ويدرك الروس هذا الموقف الإيراني، بل يتفهّمونه. ولذلك، إنّ حدود الضغط التي يمكن أن تمارسها موسكو على طهران في الملف الرئاسي ليست كبيرة. والشراكة الاستراتيجية القائمة بين الطرفين تتحكّم بالقضايا الإقليمية الكبرى. وأما في ما يتعلق بملف صغير كرئاسة الجمهورية في لبنان فهناك بعض التمايز الذي يتفهّمه كل منهما.

الروس يتفهّمون حاجة الإيرانيين إلى المناورة في ملف الرئاسة اللبنانية ضمن مقايضاتهم الكبرى في الملفات السورية والعراقية واليمنية وسواها. وفي المقابل، يدرك الإيرانيون أنّ روسيا، كقوة دولية عظمى، مضطرة إلى التمايز في التعاطي مع لبنان والدعوة إلى صيانة مؤسساته الرسمية.

وليس متوقعاً أن يقوم أيّ من الطرفين بجهد استثنائي لإقناع الآخر بتبديل موقفه. ولذلك، بقيت الاتصالات التي جرت على خط موسكو- طهران في العامين الفائتين، أي منذ وقوع الفراغ الرئاسي، عند حدود المراوحة. وسيكون الإيرانيون مستعدين لبيع الملف الرئاسي إلى الذين يدفعون السعر المناسب. والروس ليسوا من فئة المستعدين للدفع، بل من فئة الساعين إلى الشراكة في القبض.

وهذا الواقع يضيء على السقف الذي يمكن أن تبلغه مهمة الحريري في موسكو. فالحريري لا يملك الثمن الذي يشجع الروس على خوض غمار المفاوضة وإقناع الشريك الإيراني. ولا يحمل الرجل تكليفاً أو حتى دعماً سعودياً واضحاً في مهمته، علماً أنّ العلاقات بين موسكو والسعودية هي اليوم في أوجها، ومن شأن البلدين أن يتحاورا في ملف الرئاسة اللبنانية مباشرة ولا يحتاجان إلى أي وسيط، لو كانت الظروف تسمح بالحل.

العارفون يقولون إنّ الحريري يفاوض في ملف الرئاسة اللبنانية بناء على أرضية محض محلية، وليس بناء على دفع إقليمي، والدليل هو أنّ المبادرة الحريرية تحمل عنوان التقارب مع عون الذي لا يحظى بدعم كمرشح مفضّل، لا في السعودية ولا موسكو ولا أنقرة.

وثمة مَن يعتقد أنّ التوقيت الإقليمي، والسوري تحديداً، الذي جرى فيه تسويق المبادرة الحريرية من شأنه أن يحكم عليها بالفشل. فلو نجحت هدنة حلب وانطلق مسار المفاوضات السياسية في جنيف لكان من الممكن الحديث عن ملامح تسوية في لبنان. لكنّ المسار السوري ذهب تصعيداً عسكرياً وسياسياً، وقابله سقوط الحوار السياسي في لبنان وفشل المبادرات.

وإذا كانت الكلمة في ملف الرئاسة في يد «حزب الله» وإيران والأسد، فإنّ هذا المحور ليس مهتماً اليوم إطلاقاً بالتفاصيل اللبنانية التي «تُتعب الرأس» أو «تُسوِّد الوجه»، كملف الرئاسة والاختيار بين الحليفين عون وفرنجية. وكل اهتمام هذا المحور ينصبّ على مجريات المعركة العسكرية في سوريا.

فبعد سقوط الهدنة في حلب، تخوض طهران والأسد حرباً طاحنة للسيطرة على المدينة التي تشكِّل قلب سوريا، والتي يمكن اعتبار خطوط التماس التي سترتسم فيها حدوداً بين المقاطعات التي ستتكرّس بين المتصارعين في «سوريا الجديدة». ويستغل الروس لحظة ضعف الإدارة الأميركية، قبل أيام من رحيل باراك أوباما، وفي الفترة الفاصلة عن مجيء إدارة جديدة، لتكريس وقائع ميدانية يمكن استثمارها استراتيجياً.

ولذلك، يبتسم المطلعون على المبادرات الداخلية والذين يتحدثون عن التسويات في لبنان ويقولون: كل ما يجري في لبنان هو فقاعات هوائية لا أكثر، وأما الانفجارات الحقيقية فهي التي يدكّ بها الأسد وطهران وموسكو أسوار حلب.

وعلى هذا الأساس، يقول هؤلاء: يُفترض أن ينظر العماد عون إلى ما يفعله «حزب الله» حالياً، وأن يدرك حقيقة المناورة التي يجريها في لبنان، في ملف الرئاسة وسواه، فيما الحدث الحقيقي يدور في سوريا.

لقد أظهرت الأحداث أنّ «حزب الله» هو اللاعب الحقيقي الوحيد على الساحة السياسية، فيما الآخرون جميعاً يؤدون أدواراً إمّا شكلية وإمّا تصبّ في مصلحة المناورات التي يرسمها «الحزب» ويحدِّد خواتيمها.