عاش لبنان أمس، والكيان الصهيوني والمنطقة ومعهم العواصم الدولية لساعات أجواء قلق شديد، وذلك بعد العملية العسكرية التي قام بها حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي المحتل لأراضي منطقة مزارع شبعا اللبنانية.
فالانظار كلها اتجهت نحو منطقة الجنوب اللبناني وشمال فلسطين المحتلة، لتراقب ما تمكنت ان تنقله بعض كاميرات المراسلين، سواء من الجانب اللبناني أم من الجانب الاسرائيلي حول تطورات المشهد الأمني.
الإسرائيلي أعلن عن استهداف إحدى دورياته العسكرية، وقد ترافق مع هذا الإعلان بدء قصف المنطقة اللبنانية المحاذية للشريط الأزرق بعشرات القذائف جميها استهدفت السهول والجبال.
حزب الله أعلن بدوره مسؤوليته عن العملية التي نفذتها وحدة «شهداء القنيطرة».
عاش الجميع أجواء الساعات الأولى التي سبقت العدوان الإسرائيلي عندما خطف عناصر حزب الله عدداً من الجنود الإسرائيليين يوم 13 تموز 2006.
إن إعلان حزب الله مسؤوليته عن تنفيذ العملية الأمنية بواسطة «شهداء القنيطرة»، جاء «متناغماً» مع المواقف التي كررها الحزب أكثر من مرّة خلال عشرة أيام مضت على العملية العسكرية العدوانية، التي نفذها طيران العدو الإسرائيلي واستهدفت مجموعة لحزب الله مع ضابط كبير من الحرس الثوري الإيراني في منطقة القنيطرة في الجولان السوري، ولكن ما لفت الانتباه بشدة ان بيان حزب الله حول عمليته العسكرية جاء ممهوراً برقم -1-، وهذا له دلالات كبيرة، تشير إلى ان العدو الإسرائيلي إذا ارادها حرباً مفتوحة فلتكن، كما حمل رسالة للداخل الإسرائيلي واضحة الأهداف (في إطار الحرب النفسية) وهي ان حكومة نتنياهو بعدوانها على عناصر حزب الله في الجولان منذ عشرة أيام قد أعلنت الحرب، وبالتالي فإن هذه الحرب يمكن ان تكون قد بدأت إذا حاولت حكومة نتنياهو الرد واستهداف المدنيين اللبنانيين في الجنوب او في أي منطقة أخرى.
ان إعلان حزب الله خلال الأيام الماضية انه لن يسكت على استهداف عناصره، وإعلان إيران انها تعرف كيف ترد على قتل أحد جنرالاتها الكبار، لم يُشكّل ردّ حزب الله مفاجأة، بل كان متوقعاً، ولذلك لاعتبارين هامين:
الاول: ان حزب الله امام جمهوره لا يستطيع ان يتحمل خسارة خمسة من كوادره وقياداته من غير ردّ، لأن الطيران الإسرائيلي استهدفهم داخل الأراضي السورية، من غير مبرر مقنع لهذا العدوان، وبالتالي إذا أعلن حزب الله أنه سيرد على هذا العدوان، فإنه سيرد حتماً، فمصداقيته أولاً على المحك، وثانياً لديه شرعية حق الرد بعد الاعتداء عليه.
والثاني: أن إيران التي تعرف كيف تمسك الأوراق السياسية بيدها خدمة لمصالحها، تعمدت إعلان مقتل أحد ضباطها الكبار جراء عدوان الطيران الاسرائيلي في القنيطرة على موكب حزب الله، فإيران كانت تستطيع عدم الإعلان عن مقتل هذا الضابط، ولكن تعمدها الإعلان عن هذه الخسارة، يعني أنها تريد تكريس «شرعية» وجودها في هذه المنطقة، وهذا من ضمن خططها للإمساك «بورقة جديدة ساخنة» في مواجهة اسرائيل لها «قدسية» كبيرة وهي «المقاومة في مواجهة العدو»، فهذه الورقة الساخنة مع اسرائيل لها أهمية كبيرة يمكن أن تستخدمها كورقة ضاغطة في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأميركية حول ملفها النووي.
كما أن حزب الله الذي تعرض لحملات إعلامية وسياسية منذ سنوات لم تهدأ بعد عنوانها أن الحزب تخلى عن مقاومة اسرائيل، واستبدلها بحربه ضد الشعب السوري، فوجوده في الجولان محاولة ومسعى منه لتجديد شرعيته كمقاوم، وأيضاً لمحاربة منظمات المعارضة السورية في الجولان التي باتت تسيطر على حوالى 80 بالمائة منه (استهداف عصفورين بحجر واحد).
الأميركي تدخل فوراً، وأعلن «أن ما حصل لا يستدعي حصول حرب»، والتدخل الأميركي عادة ما يكون فاعلاً ومؤثراً على القرار الاسرائيلي.
فنتنياهو هو أيضاً يخشى من الدخول في حرب واسعة إذا لم يحقق فيها نتائج ملموسة، ستؤثر عليه سلباً خاصة والانتخابات الاسرائيلية باتت قريبة جداً.
حسابات الربح والخسارة هي ما تقلق نتنياهو خلال هذه الساعات الحرجة، فهل تردع هذه الحسابات جنون وتهور نتنياهو؟ وبالتالي لن نسمع عن البيان رقم -2- للحزب.
هذا ما ستكشفه الساعات المقبلة.