إدارة ترامب تجنح لاستصدار قرار من مجلس الأمن: «حزب الله» منظمة إرهابية!
مخاوف جدّية من أن تؤدي العقوبات الأميركية والخليجية إلى إضعاف المظلة الأوروبية للبنان
«السيناريو المتوقع في ضوء الردّ الإيراني: تكليف الحريري وترك الأمور معلقة بانتظار التطورات»
أهمية العقوبات الأميركية – الخليجية على قيادات من «حزب الله» وأفراد وكيانات على صله به، تنبع من كونها رَسَمت المسار والآلية الإجرائية لترجمة الاستراتيجية الأميركية والحلفاء ضد إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة. «مركز استهداف تمويل الإرهاب» الذي يضم واشنطن ودول الخليج الست: السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عُمان والبحرين وقطر هو «إطار الشراكة» الذي ستمرّ عبره الخطوات والقرارات التي من شأنها أن تضيّق الخناق على طهران وتطويقها، في إطار مشروع تطويعها وتقليم أظافرها وإعادتها إلى داخل حدودها الجغرافية الطبيعية، بعدما تمدّد نفوذها السياسي والعسكري والأمني في المنطقة على مدى ما يقارب أربعة عقود.
الأكيد، وفق المتابعين في واشنطن، أن وتيرة القرارات الأميركية ستكون متسارعة، لكن ما هو غير واضح بعد مدى توسّع التحالف الذي تعمل واشنطن على إنشائه. الشراكة مع الحلفاء الخليجيين، ولا سيما مع الرياض وأبو ظبي والبحرين، تُشكّل النواة الصلبة، وإن كانت قدرة دول الخليج الأخرى – التي يتشكّل منها مجلس التعاون – على المناورة وتدوير الزوايا والتمايز في العلاقة مع إيران قد بدأت تتقلص، لا سيما بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني.
ففترة السماح للحلفاء في محور الاعتدال العربي والإسلامي قد انتهت لبدء ترجمة ما تمّ الاتفاق عليه في قمم الرياض الثلاث التي عقدت في أيار 2017، فيما بدأ العد العكسي لفترة السماح للحلفاء الأوروبيين الشركاء في الاتفاق النووي، وهو ما يُجسّده حجم الإرباك لدى الاتحاد الأوروبي بفعل التداعيات على دول الاتحاد وعلى الشركات الوطنية العملاقة التي أبرمت عقوداً بالمليارات مع طهران، لكنها تجد نفسها اليوم في مأزق القدرة على الاستمرار تحت وطأة شمولها بإجراءات عقابية لخرقها العقوبات الأميركية التي عادت واشنطن وفرضتها على إيران.
وإعلان كبريات الشركات مثل «توتال» الفرنسية و«أليانز» الالمانية و«ميرسك» الدنماركية عن عزمها تخفيض أعمالها في إيران يؤشر، في العمق، إلى الاتجاه الذي ستسلكه الأمور إذا لم تنجح الدول الخمس المتبقية في إنقاذ الاتفاق، ذلك أن تلك الشركات تعكس مصالح دولها وتشكل بوصلتها في آن، وهي مسألة قد تكون صعبة، مع رجحان كفة نجاح الرئيس الأميركي في تفكيك السلاح النووي لكوريا الشمالية بما يجعله نموذجاً وسقفاً لا يمكن تخطيه في التعامل مع الملف «النووي الإيراني» ومع طهران في إطار سياسة «التدجين».
وإذا كان الإعلان عن العقوبات ضد قيادات «حزب الله» وشمولها الصف الأول لا يُشكّل مفاجأة كبرى بالنسبة إلى «الحزب» أو إلى خصومه، إلا أن ذهاب الشركاء الخليجيين إلى ترسيخ عدم التمييز بين جناحين سياسي وعسكري باعتبار «الحزب» ككل منظمة إرهابية، سيزيد من حجم الضغوط على الأوروبيين الذين ابتدعوا هذا التمييز، في وقت يُدركون أن إدارة ترامب تجنح نحو استصدار قرار من مجلس الأمن يُصنّف «حزب الله» منظمة إرهابية. هذا التطور، في توقيته، لا يمكن عزله عن محاولات الضغط على الأوروبيين أنفسهم في لحظة مقاومتهم للقرارات الأميركية التي يذهب بعضهم إلى وصفها بـ«الغطرسة»، ما يطرح تساؤلاً مشروعاً عما إذا كان هناك اتجاه ما لإضعاف المظلة التي يُشكّلها الأوروبيون للبنان!
قد يكون من المبكر الجزم باتجاهات الرياح التي ستلفح مسار العملية السياسية على المستوى اللبناني مع الاستحقاق المنتظر بتسمية رئيس الحكومة وتشكيلها، ذلك أن لا مفاجآت متوقعة على صعيد انتخاب رئيس السلطة التشريعية في ضوء نتائج الانتخابات النيابية. فرغم المناخات التي سادت باستبعاد حصول تبدّلات جذرية في التسوية الرئاسية، لجهة إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، فإن ما شهدته سوريا من ارتفاع منسوب المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية من جهة، وما آلت إليه الانتخابات العراقية من إرباك لإيران على مستوى قدرتها فرض شروطها وتحكمها بمسار العملية السياسية من جهة ثانية، وما يُسجّله التحالف العربي من تقدّم ملموس في اليمن عبر إحكام الطوق على الحوثيين، من شأنه أن يدفع إيران إلى مراجعة حساباتها حيال كيفية التعامل مع الساحة اللبنانية.
الحسابات تذهب في اتجاه تحديد ما إذا كانت إيران سترد في لبنان، بالذهاب إلى خيار الانقلاب الشبيه بانقلاب 2011 يوم الإطاحة بحكومة الحريري والإتيان بحكومة نجيب ميقاتي، بما يشكل ذلك رسالة جوابية للرياض وواشنطن، على الرسالة السياسية التي شكلتها العقوبات الأميركية – الخليجية الأخيرة، والتي ستعقبها رسائل مشابهة ينتظرها «حزب الله»، أم أنها ستردّ من لبنان، كما حصل عام 2006، ما يجعل لبنان أمام سيناريو حرب مدمرة مع إسرائيل.
ضبابية الصورة وتسارع التطورات تجعل من الصعب التكهن بالمسار الذي سيتحكم بالمشهد اللبناني خلال المرحلة المقبلة، الذي يعتريه القلق من مغامرات غير محسوبة، في ضوء الاقتناع بأن «حزب الله» قد يكون مرغماً على فتح جبهة الجنوب إذا تطلبت المصلحة الإيرانية ذلك، وإذا عجز عن تجنب تجرّع هذا الكأس رغم إدراكه كلفته الباهظة عليه وعلى بيئته ومناطقه.
على أن احتساب المخاطر وحساسية الموقف داخلياً وإقليمياً يدفع بالمتابعين إلى توقع «سيناريو وسطي» يرتكز على تسهيل عملية تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، وترك الأمور من هناك معلقة بانتظار ما تحمله المنطقة من تطورات. هو سيناريو قد يكون مخرجاً للجميع يجنب الإحراج للحكم والمواجهة المباشرة للحزب!.