IMLebanon

«حزب الله» يجرّ «البارود» إلى «عقر».. الجرود

كان لافتاً خلال الخطاب الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بمناسبة «يوم القدس العالمي»، عدم تطرقه لا من بعيد ولا من قريب، إلى المبادرات التي سبق وأعلنها والتي تتعلق بوجود الجماعات المسلحة في الجرود، لا سيما جرود عرسال، خصوصاً وأن دعوات سابقة وجّهها لهذه الجماعات، طالبها خلالها بالإنسحاب من تلك الجرود كونه «لا أمل لها في البقاء فيها»، وذلك ضمن تسوية تسمح بعودة المسلحين مع عائلاتهم إلى مناطق حُدّدت مُسبقاً في الداخل السوري، ومنها بلدتا «عسال الورد» و»فليطا» كمرحلة أولية.

غياب أي مؤشّر أو كلام لنصرالله حول «التسوية» في الجرود، لم يكن مجرد سقطة من حساباته ولا حتّى تم المرور عليها بسبب ضيق الوقت، إنما التغاضي جاء بفعل متعمد جرى الإستعاضة عنه بكلام من نوع آخر تضمن تهديداً ووعيداً حمل أكثر من تساؤل حول ما قد يكون في جعبة «حزب الله» للأيام المُقبلة، وذلك من باب حديثه عن أن «حرباً تنوي إسرائيل شنّها على لبنان وسوريا لن تبقى محصورة في هذين الميدانين، إنما ستفتح الباب أمام انضمام آلاف المقاتلين من العراق واليمن وإيران وأفغانستان وباكستان وبقاع أخرى في العالم إلى جانب سوريا والمقاومة». وما زاد من تخوّف اللبنانيين وحيرتهم، «المُلحق» الذي اتبعه النائب نوّاف الموسوي بكلام نصرالله وقوله «كما قاتل حزب الله في سوريا مع الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي والقوى السورية الشعبية، كذلك سيقاتل معهم في لبنان صفاً وحلفاً واحداً».

بعد الكلام الصادر عن أعلى مرجعية سياسية وعسكرية في «حزب الله» وآخر مُشابه صادر عن مسؤول سياسي في الحزب نفسه أيضاً والمُفترض أنه ممُثله في الدولة، ثمة تأكيدات أن هناك محاولات خطف لقرار الدولة مجدداً، تُحاكي الطريقة نفسها لما سبق وحصل في حرب تموز 2006، عقب وعود سابقة بمرحلة مُطمئنة وآمنة ستمر بها البلاد. والخوف الذي يختصر هواجس الشعب اللبناني من كلام يصدر عن طرف حزبي يمتلك قدرة مسلحة تبزّ قدرة الدولة والقلق من جر البلاد إلى حرب غير محسوبة النتائج، كان عبّر عنه رئيس الحكومة سعد الحريري من دون أن يتطرق إلى تسميات بقوله «إن الشعب اللبناني قادر على حماية أرضه بنفسه من أيّ عدوان إسرائيلي ولا يحتاج إلى قوى خارجيّة أو ميليشيات، مهما كانت جنسيّتها»، معتبراً أن «كلامه لا يُعبّر عن موقف الدولة اللبنانيّة».

وأكد الحريري أن «الانتخابات مقبلة، واللبنانيّون واللبنانيّات سيقولون بوضوح إذا كان هذا ما يُريدونه… ان يستوردوا معرفة ومهارات، ويُصدّروا حلولاً وخدمات ومنتجات، أو كما يُهدّد البعض في هذه الأيّام، ان يستورد حرساً ثوريّاً وميليشيات». وبالعودة إلى كلام نصرالله والموسوي، فهو تأكيد بل حجة دامغة على استبعاد دور الدولة وإسقاطهما لـ «المعادلة الذهبية» والاستعاضة عنها بمشروع مذهبي بدأت تلوح أفقه في أجواء «حزب الله» السياسية ويتناقلها سياسيّوه من منبر إلى آخر ومن مناسبة إلى أخرى.

في ما خص جرود عرسال، ثمة إشارات غير مريحة بدأ يُشيعها «حزب الله» في الأجواء، من خلال دعواته التحريضية الدائمة لجعل بلدة عرسال وجرودها هدفاً تحت حجّة ضرب الإرهاب، وهو الدور الذي يؤديه الجيش اللبناني على أكمل وجه، وآخره العملية الأمنية الاستباقية التي نفذها منذ أيّام في بعض مخيمات البلدة والتي أسفرت عن توقيف إرهابيين ومطلوبين. وآخر الدعوات المتعلقة بعرسال وجرودها من قبل «حزب الله»، جاءت على لسان عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق أمس، بقوله «إن خطر المشروع التكفيري لم ينتهِ، وهو لا زال قائماً، لا سيما في ظل احتلال التكفيريين جرود عرسال ورأس بعلبك، وتدفق وتسلل الدواعش من الرقة والموصل إلى لبنان».

واكثر من ذلك، عاد الحزب إلى نغمة «تربيح الجميل» للبنانيين باعتبار قاووق أنه «لولا تواجد حزب الله في البادية السورية، لكانت داعش جعلت وجهتها البديلة لبنان»، لافتاً إلى أنه «قد آن الأوان لاستئصال البؤر والمقرات الإرهابية التكفيرية لداعش والنصرة التي اتخذت من جرود عرسال ورأس بعلبك منصة لاستهداف كل اللبنانيين جيشاً وشعباً ومقاومة، لا سيما وأن لبنان يواجه التحديات وهو البلد الأكثر منعة أمام «إسرائيل» والدواعش و»النصرة» بمعادلة التعاون والتكامل بين الجيش والمقاومة والشعب». وهنا يُسأل قاووق عن معادلة التعاون هذه، بمعادلة «الحشد الشعبي» و»الحرس الثوري الإيراني» ومقاتلين آخرين من اليمن وباكستان وأفغانستان، والدور الذي ينتظرهم في لبنان بحسب نصرالله.

في قلب بلدة عرسال، ليست هناك أي مشكلة لدى الأهالي أو تردد لديهم في أي عملية عسكرية في الجرود يقودها الجيش ضد الجماعات الإرهابية، بل أكثر منذ ذلك، فهم يُعلنون على الدوام أنهم سيكونون في مقدمة المعركة لو طُلب منهم ذلك. لكن مقابل هذا الإرتياح التام للعمل الذي يقوم به الجيش، ثمة تخوّف دائم من دخول أطراف أخرى على خط المعركة مما قد يُصعّب الأمر على الأهالي الذين يُعبّرون عن توجسهم الدائم من إستهداف بلدتهم في حال قررت أي جهة حزبية خوض هذه المعركة من دون حسابات مُسبقة لطبيعة عرسال وجغرافيتها المتداخلة مع الجرود السورية وتحديداً القلمون. ومن هنا يخشى «العراسلة» من امتداد المعركة من الجرود إلى داخل بلدتهم في حال حصول أي تدخل من خارج سياق الجيش.

وعلى الرغم من الهواجس التي تتملّك الأهالي بين الحين والآخر، تشير مصادر من داخل عرسال، إلى أن هناك وعوداً تلقّوها من المؤسسة العسكرية بإحكام السيطرة على زمام الأمور ومنع تدهور الأوضاع وإنقلابها على البلدة وأهلها، وعدم تحويلهم بأي شكل من الأشكال إلى كبش محرقة. ومن الإنجازات التي تُحققها المؤسسة العسكرية بفروعها كافة، يدخل «العراسلة» في تأكيداتهم على أن الجيش في بلدتهم هو الضامن الوحيد لبقائهم وصمودهم، فمنه يستمدون قوتهم ومعه سيواجهون الخطر نفسه والمصير الواحد.