صحيح أن اللقاء الذي كان يتم الاعداد له منذ فترة بين حزب الله ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لاحتواء الخلاف الذي نشب بينهما على خلفية الكباش المتواصل حول رخصة معمل الاسمنت الذي يملكه الوزير السابق نقولا فتوش وشقيقه في بلدة عين دارة في قضاء عاليه، كان قد تعثر بعد اصرار جنبلاط على ان يكون وفد الحزب من يزور المختارة وليس هو من يزور حارة حريك، الا أن قرار مجلس شورى الدولة الأخير والذي قضى بوقف تنفيذ قرار وزير الصناعة وائل أبو فاعور بشأن سحب الرخصة من المعمل والعودة إلى القرار الذي اتخذه الوزير السابق حسين الحاج حسن بتفعيل المعمل وقانونية عمله، اضافة الى مواقف جنبلاط التصعيدية الأخيرة سواء تلك المرتبطة باتهام «محور الممانعة» بـ«استباحة البلد» أو باعلانه عدم لبنانية مزارع شبعا، كلها تراكمت لتعيد العلاقة بين الحزب وجنبلاط الى نقطة الصفر.
فالطرفان اللذان نجحا في السنوات القليلة الماضية، وان مع بعض التجاوزات، بتخطي الخلافات الاستراتيجية بينهما ملتزميْن بسياسة «ربط النزاع» التي يعتمدها معظم الفرقاء الذين قرروا الجلوس على طاولة حكومية واحدة، لم يتمكنا من تجاوز الاختبار الأخير الذي مرا به، ما بات يستدعي اعادة نظر بكل اسس العلاقة القائمة بينهما.
وان كان حزب الله نظر في البداية، وبحسب المعلومات، الى مواقف جنبلاط الأخيرة على أنها ارتجالية لم يدرسها او يدقق بها وجاءت كردة فعل على رفض آل فتوش اي شراكة معه بالمعمل خوفا من أن يؤثر ذلك على الخطة التي تم وضعها لجهة ان تكون وجهة العمل الاساسية لهذا المعمل اعادة اعمار سوريا، الا أن مصادر سياسية في قوى 8 آذار اعتبرت انه من السذاجة في مكان توقع ردة فعل بهذا الحجم من جنبلاط فقط لسقوط هذه الشراكة مع آل فتوش، ورأت أن ما يحصل هو قرار جنبلاطي بسلوك مسار جديد بالتزامن مع التطورات الكبيرة الحاصلة في المنطقة، وبالتالي التمترس في المحور الأميركي بوجه المحور الايراني عشية الاعلان عن فحوى «صفقة القرن» والمرتقب ان يتم بعيد شهر رمضان، كما أعلنت الادارة الأميركية. وأضافت المصادر: «اعتدنا أن تكون رادارات جنبلاط الأولى في استشعار المتغيرات، وان كانت خياراته بمعظمها أثبتت فشلها في المرحلة الماضية. وعلى ما يبدو، ها هو اليوم يستشعر موجة متغيرات كبيرة جعلته يتخذ موقفا بحجم اعلان عدم لبنانية مزارع شبعا لينسف بذلك موقفا لبنانيا موحدا حول هذه القضية مستمرا منذ عشرات السنوات».
وتشدد المصادر على ان ما أعلنه جنبلاط لا يمكن ان يكون عابرا ويمر مرور الكرام في مرحلة كالتي نمرّ بها، خاصة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضم منطقة الجولان الى اسرائيل وما رافق ذلك من مخاوف أن يكون هذا القرار ضمّ مزارع شبعا ايضا للأراضي الاسرائيلية. وترى المصادر بموقف جنبلاط، في حال لم يتم التراجع عنه، «تماهيا مع الارادة الاميركية، وبالتالي مع الطموحات والأهداف الاسرائيلية». وتضيف: «بدل أن نواجه ما يُخطط لبلدنا ومنطقتنا من خلال «صفقة القرن» بوحدة صف داخلي وبموقف موحد لا لبس فيه، يأتي من يسعى للعبث بهذه الوحدة ما يشكل تهديدا حقيقيا للداخل اللبناني، خاصة اذا ما ثبت أن هناك أجندة خارجية تسعى لزعزعة الاستقرار السياسي الداخلي كي نكون عاجزين عن التصدي لما سيسعون لفرضه علينا باطار الصفقة التي تم تسريب أبرز بنودها والتي نرفضها بالكامل ولا نعتبر ان هناك اي امكانية للبحث فيها».
ولن يتردد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والذي يطل يوم الخميس المقبل في ذكرى استشهاد القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين، بالرد بحزم على جنبلاط وسواه بخصوص قضية مزارع شبعا، سواء سمّاه أو لم يسمّه، وان كانت مصادر معنية ترجح أن يوجه اليه الكلام بشكل مباشر كما فعل قبل فترة حين رد على اتهاماته بتأخير ايران تشكيل الحكومة ودعاه لـ«ضبط انتيناته». ولا يبدو مستبعدا على الاطلاق أن يحثه هذه المرة أيضا على ضبط «الانتينات» من جديد وان كان الملف الذي يتحدث به نصرالله هذه المرة استراتيجيا وأعمق من ملف تشكيل الحكومة، ما سيجعله يعتمد لغة وأسلوبا أكثر حزما تدخل معهما العلاقة بين الحزب وجنبلاط منعطفا جديدا يكون بيك المختارة من خطا الخطوة الأولى باتجاهه.