Site icon IMLebanon

حزب الله محصن داخليا ولا يخشى العقوبات

ينتظر لبنان تداعيات مسألة تشديد العقوبات الأميركية على «حزب الله» والتي تُبحث في الكونغرس الأميركي، وتأثيرها المباشر وغير المباشر على القطاع المصرفي في البلد، وعلى التدفّقات الأجنبية اليه، لا سيما إذا ما طالت هذه الأخيرة حلفاء الحزب في الداخل والخارج، وإن ليس هناك من مشروع قانون رسمي حتى الآن. غير أنّ الحزب، بحسب أوساط سياسية عليمة، لا يخشى من تشديد هذه العقوبات عليه القائمة منذ سنوات، ولا يعطيها أي أهمية إذ سبق وأن اعتاد على ممارسات الولايات المتحدة تجاهه عندها اعتبرته منظمة إرهابية ووضعته على اللائحة السوداء.

غير أنّ التقدّم الذي أحرزه لبنان على الصعيد السياسي منذ أواخر تشرين الأول الماضي وحتى الآن، من انتخاب رئيس للجمهورية، الى تشكيل حكومة المصلحة الوطنية التي تمكّنت القوى المشاركة فيها من التوافق على قانون جديد للإنتخاب، وإن جرى تأجيل العملية الإنتخابية الى أيّار من العام 2018، من شأنه أن يُعزّز ثقة المغتربين اللبنانيين في اقتصاد البلاد، على ما طمأنت، ما يجعل الخوف من زعزعته في غير مكانه.

في الوقت نفسه، فإنّ «حزب الله» من خلال خطاب الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله الذي ألقاه أخيراً في ذكرى يوم القدس العالمي قد تجاوز الملف المحلي، على ما لاحظت، كونه لم يعد يُشكّل أي هاجس بالنسبة له وللبنانيين. فبعد التوافق على قانون الإنتخاب ومن ثمّ على «وثيقة بعبدا العام 2017» التي صدرت عن لقاء القوى الممثلة في الحكومة الذي دعا اليه الرئيس العماد ميشال عون، لتحريك العمل السياسي والميثاقي والإقتصادي بهدف الإصلاح، فإنّ الحزب بات مرتاحاً ومطمئناً أكثر لمستقبل البلاد ولوجوده داخل المؤسسات التي تريد فعلاً العمل بجدية وسرعة أكبر لمصلحة المواطن.

كذلك فإنّ عدم التطرّق لموضوع الاستراتيجية الدفاعية، أو مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية، ثمّ مناقشة مسألة ضرورة الإتصال بالحكومة السورية لحلّ أزمة النازحين السوريين قد زادت من طمأنته، على الأقلّ على الصعيد الداخلي، إذ لم يطرح المشاركون في اللقاء التشاوري أي موضوع خلافي يتعلّق بالحزب وبسلاحه الذي يستخدمه في الداخل أو الخارج. كما أنّهم لم يُناقشوا موضوع تشديد العقوبات الأميركية على الحزب وقيادييه وعلى أطراف لبنانيين آخرين يقفون الى جانبه. الأمر الذي أوحى، على ما ترى، بأنّ القوى السياسية لا تنوي الخوض في هذه المسائل في المرحلة الراهنة التي يريد الرئيس عون أن تكون فترة منتجة يشعر المواطنون بتداعياتها الإيجابية عليه وعلى وضعه.

وكشفت بأنّ الحزب سيكون قادراً، كما كان سابقاً، على مواجهة كلّ العقوبات والضغوطات التي سيتعرّض لها خلال الأشهر المقبلة، لا سيما وأنّ قوّته الإقليمية تضاعفت في الآونة الأخيرة الى درجة أنّ ورقته ستكون حاضرة بقوّة على طاولة المفاوضات لأي تسوية مقبلة تحصل في المنطقة. فما أعلنه السيّد نصرالله عن جهوزيته واستعداده لمواجهة أي عدوان إسرائيلي جديد عليه أو على لبنان، رغم مشاركة مقاتلي الحزب في الحرب السورية، قد أكّد على قوّته، وعدم خوفه لا من عقوبات الولايات المتحدة، ولا من تهديدات إسرائيل المستمرّة.

كما أنّه سيكون جاهزاً للتوافق على مشاريع الحكومة المقبلة المتعلّقة بالإقتصاد والإنماء المتوازن وكلّ البنود التي نصّت عليها «وثيقة بعبدا» لأنّه ليس في صدد العرقلة، لا سيما بعد أن حصل على ما أراده بالنسبة لقانون الإنتخاب الجديد وفق النسبية وعلى أساس 15 دائرة، وإن كان يُفضّل لبنان وفق النسبية وعلى أساس دائرة واحدة. فتطبيق النسبية لأول مرة في تاريخ لبنان، من شأنه أن يتعزّز شيئاً فشيئاً في الدورات الإنتخابية اللاحقة وصولاً الى ما يصبو اليه الحزب، لا سيما وأنّه يؤدّي الى التمثيل الصحيح للناخبين.

وبرأيها، فإنّ موافقة الحزب على اتخاذ القرارات المناسبة وإقرار القوانين التي تحلّ مشاكل الشعب من الموازنة العامة الى سلسلة الرتب والرواتب، وصولاً الى تأمين الكهرباء 24/24 واستفادة لبنان من الثروة النفطية وما الى ذلك، قد تُفعّل من حضوره على الصعيد المحلي، لا سيما أمام القوى الرافضة لبقاء سلاحه في يده.

وتقول الأوساط نفسها بأنّه في حال تمكّنت الحكومة الحالية من معالجة بعض الملفات التي طرحتها «وثيقة بعبدا»، في وقت سريع قبل أن تبدأ التحضيرات الفعلية للإنتخابات التي ستجري خلالها التحالفات السياسية، فإنّ جميع القوى السياسية التي شاركت في لقاء بعبدا ستكون موضع ثقة ليس فقط من قبل ناخبيها، إنّما أيضاً من قبل الأحزاب التي ستتحالف معها. أمّا في حال حصل العكس، ولم تقم الحكومة بمعالجة أي من الملفات الملحّة، على الأقلّ، فإنّ الناخبين سوف يُحاسبون القوى المتنافسة في الإنتخابات المقبلة.

علماً أنّ تحالفات جديدة ستطرأ على الساحة السياسية وقد تُفاجىء الكثيرين في بعض الدوائر، إذ قد تكون ثمناً لكلّ ما تمّ التوصّل اليه حالياً من هدوء سياسي ونوايا جديّة لتحقيق الإصلاح الإقتصادي والسياسي في البلاد. فقد يتحالف «حزب الله» مع كلّ جهة تغضّ النظر حالياً عن سلاحه وبقائه بيده في الوقت الراهن، لكي يبقى حضوره السياسي قوياً في الداخل، وليس فقط العسكري، على ما يعتقد البعض.

كذلك تكشف الأوساط نفسها بأنّ تقارباً قد يحصل بين «التيّار الوطني الحرّ» و«القوّات اللبنانية» و«حزب الله» معاً في بعض الدوائر، على غرار التحالف الذي لا بدّ وأن يحصل بين «التيّار» و«القوّات» و«تيّار المستقبل» في دوائر أخرى. لكنّها لا تزال تجد أنّ الحديث لا يزال مبكراً للخوض جديّاً في هذه التحالفات، لا سيما وأنّ الأشهر القليلة المقبلة سيتمّ تخصيصها لوضع آلية عملية لتحريك ملفات وثيقة بعبدا. وما أن تنتهي هذه الأشهر حتى تتظهّر أكثر مسألة التحالفات في الدوائر الـ 15 بشكل أوضح، ما يجعل النتائج فيها شبه محسومة.