شكلت خطوة حزب الله بالتصويت على موازنة 2019 علامة فارقة في تاريخ الحزب السياسي منذ انخراطه في السلطة اذ هي المرة الاولى التي يصوت فيها حزب الله على موازنة رغم مشاركته في الحكومات السابقة.
تفسير موقف حزب الله من موضوع الموازنة يبدو مختلفا عن روايات من هم خارج خطه السياسي، فحزب الله وفق اوساط 8 آذار يعتبر نفسه مؤخرا شريكا اساسيا في هذه الحكومة التي حصل فيها على ما يريد من حقائب كان ابرزها وزارة الصحة رغم التلويح بحرب خارجية لمنعه من استلامها وهو ايضا كما تضيف الاوساط يعتبر نفسه شريكا في انجاز الموازنة الحالية وصياغة بنودها والتعديلات المضافة عليه.
من خلال الموافقة على الموازنة اصاب حزب الله عدة اهداف باتجاه الداخل والخارج، بانه لا يتنقد الحكومة عندما لا تخطئ ولا يعطل مسارها السياسي ضمن السقوف انتظام الحياة السياسية لكن بدون ان يتخلى عن ثوابته الاستراتيجية وحلفائه وكان وقوفه الى جانب حلفائه من القيادات الدرزية في حادثة قبرشمون رسالة بالغة ولكن بدون ان يتورط في تفاصيل زيارة الوزير جبران باسيل الى عاليه وتداعياتها مع التمسك بتحويل الملف الى المجلس العدلي.
التحول في موقف الحزب داخليا يتمثل في انتقال الحزب وتركيزه اكثر من قبل على الملفات الداخلية بعد تراجع الضغوط عليه في الحرب السورية وانتهائه من المعركة مع الارهابيين حيث يتطلع حزب الله وفق الاوساط الى بعض الشؤون الداخلية من مواضيع اقتصادية وحيث يهتم باستقرار الوضع النقدي والليرة اللبنانية وكان حزب الله حريصا في الموازنة على البنود التي لا تمس الطبقات الفقيرة وما يتعلق بالجامعة اللبنانية والمتقاعدين.
يحرص حزب الله كما تقول الاوساط على العلاقة المستقرة مع رئيس الحكومة وقد ساهم الموقف الرسمي لرئيس الحكومة من مسألة العقوبات الاميركية على نواب وشخصيات حزبية في ترييح حزب الله وخلف مناخ بعيد عن التشنج لمواجهة تداعيات القرار الاميركي وفي الوقت ذاته فان أداء حزب الله الداخلي يعتبر عاملا مريحا لرئيس الحكومة وقد كشفت استقالة النائب نواف الموسوي التي تعتبر ايضا شأنا داخليا وحزبيا يتعلق بقرار قيادة حزب الله ان الموافقة على الاستقالة له شق ايضا يتعلق بموضوع مشاركة حزب الله في السلطة وعدم تعريضه لاي انتكاسة او ما قد يتسبب بالازعاج للشركاء في التسوية السياسية… وفق الاوساط فان الاشتباك مع الحزب الاشتراكي جاء على خلفية قرار الوزير وائل ابو فاعور في موضوع عين دارة والتغريدات التي ينشرها جنبلاط وما تتضمنه من انتقادات لحزب الله والمحور السياسي الذي يدور في فلكه بمعنى ان حزب الله ليس من افتعل الاشتباك لكنه خرج الى الرد على الهجوم.
اما العلاقة مع رئيس الحكومة فان ربط النزاع لا يزال قائما بقوة مع رئيس الحكومة، وحزب الله وقف على الحياد في اشتباك رئيس الحكومة ووزير الخارجية جبران باسيل قبل ان يحصل ترميم التسوية ولم يتدخل في النزاع السياسي بين الحليفين والتزم الصمت كعادته في الأزمات بانتظار مرور العاصفة التي هبت على علاقة الطرفين، ولم يتدخل ايضا في نزاع الحريري وباسيل حول الموازنة والعديد من الملفات الامنية والقضائية والتعيينات.
موقف حزب الله لم يفاجىء المتابعين حيال الموازنة او العلاقة مع السراي فالخطوط مفتوحة بين السراي وحارة حريك من خلال الوزراء والشخصيات المؤثرة من الطرفين، حزب الله وفق اوساط 8 آذار متمسك بالتسوية السياسية والشراكة مع رئيس الحكومة وفق التفاهمات السياسية التي تحكم علاقتهما ويعتبر حزب الله ضمنا ان رئيس الحكومة من رؤساء الحكومة الاكثر مرونة رغم الخصومة معه والاختلاف في القضايا والملفات الاستراتيجية.
من هذا المنطلق يرفض حزب الله استهداف رئيس الحكومة وتطيير الحكومة وكان واضحا ان كل السجالات السياسية مع رئيس الحكومة تبقى دائما تحت السيطرة.
اكثر من ذلك فان حزب الله لن يغامر باي خطوة او يقف الى جانب اي طرف اذ يرى ان الوقت الاقليمي ليس مناسبا لخوض مواجهة والتورط مع الحريري ولن يغامر باي خطوة تعرض الاستقرار وعلاقته بالاطراف والاخصام لاي اهتزاز في حين ان التنسيق مع التيار الوطني الحر والحلفاء في 8 آذار اساسي في المطالب والملفات الاستراتيجية التي تشكل خطا احمرا ممنوع تجاوزه.