منذ نشأته في بداية الثمانينات وحتى اليوم، لم تتوقع قيادات «حزب الله» لا بشخصياتها السابقة ولا الحالية، أن تصل الأمور بالحزب إلى الحد الذي وصلت اليه في المرحلة الحالية. فحتى العام 2011، تاريخ إندلاع الثورة في سوريا، كانت نظريات «حزب الله» العسكرية تقوم على تعداد الخسائر مقابل الغنائم قبل خوضه أي معركة أو مواجهة وغالباً ما كانت تصل الدراسات والحسابات إلى استنتاجات توصل إلى أرقام قد لا تتعدى الحد المعقول أو المقبول، وأقصاها كان وقع في حرب تموز حيث تراوحت خسائر الحزب في الكادر البشري يومها، على الأقل، بين 200 و300 شهيد.
اليوم وفي ظل الحرب التي يخوضها «حزب الله» ضمن الصراع الدائر في سوريا، فقد تخطت خسائره البشرية كل التوقعات وفاقت كل تصوّر حتّى من قبل أولئك الذين يُديرون المعركة بشكل مباشر وتحت أمرتهم واشرافهم تتم كل العمليات العسكرية. وبعيداً من الاستنتاجات والتحليلات أو حتى الدخول في لعبة التكهنات والحسابات العشوائية، فهناك أكثر من تقرير خرج خلال الفترة الاخيرة، يؤكد أن خسائر «حزب الله» قد ناهزت الألفي قتيل بينهم أكثر من مئة قيادي تتراوح بالطبع مسؤولياتهم ومهامهم، بين مسؤول ميداني ضمن منطقة أو موقع محدد، وبين قائد عسكري تقع تحت اشرافه عمليات عسكرية ومسؤولية تنفيذ المهمات الخاصة.
من المؤكد أن «حزب الله» يُعاني اليوم من نزف كبير ضمن تركيبته العسكرية، وهذا النزف يبدو أنه في تصاعد مستمر يُطالعه في كل يوم خصوصاً في ظل انسداد أي افق يُمكن أن يدل على اقتراب موعد «انجاز المهمة» على غرار الموقف الذي كان قد أعلنه أمينه العام السيد حسن نصرالله بعد خروج «جبهة النصرة» من جرود عرسال والذي قال فيه «لقد أنجزنا المهمة». لكن هذا الأمر يبدو انه لن يحصل خلال الفترة الحالية أو أقله في المدى المنظور، كون التورط في هذه الحرب يزداد هو الآخر وهذا ما تؤكده الحرب السورية بشكل عام، إذ كان التوجه مع بدايتها، محصوراً بالدفاع عن القرى الحدودية ثم تطور نحو الذهاب إلى حماية المقامات المقدسة، ثم جاءت مرحلة القلمون وبعدها العاصمة دمشق، وبعدها ريفا حمص وحلب وأيضاً درعا، واليوم في دير الزور. وهذا يؤكد للمرة الألف، غياب أي خطوة يُمكن أن يُعوّل عليها لعودة آلاف الشبان من سوريا إلى أحضان وطنهم وأهلهم.
عند ضفّة قاعدة «حزب الله» الجماهيرية، تحار هذه الأخيرة في صمت قيادة الحزب عن المعلومات التي تتحدث عن حجم الخسائر والتي تدّعي على الدوام بأنها «ملفقة» أو «مبالغ» فيها. وما يزيد من ألم البيئة، غياب أي رقم بشكل رسمي حول العدد الفعلي، أقله من باب المصداقية والحفاظ على الصورة القديمة التي سبق ورسمتها هذه البيئة في ذهنها حول كا ما يتعلّق بـ «المقاومة» والمعتقدات التي على أساسها نشأت فكرة «الجهاد» ضد إسرائيل. لكن وعلى قاعدة التغاضي عن الحقائق وعدم التعاطي بجرأة تامة مع موضوع الأعداد الذي يُطرح بين وقت وآخر، ثمة معلومات تتعلق بإنزلاق جديد للحزب يُمكن ان يبدأه بعد الانتهاء من معركة دير الزور. اليوم ثمة حديث عن توجه جديد لدى قيادة «حزب الله» للانخراط في معركة إدلب المكان الذي تتجمع فيه المعارضة السورية بكل أطيافها تقريباً، وهو أمر بدأ يتلقفه أهالي عناصر الحزب بكثير من الأسى والخوف خشية من ان يخسروا آخر الآمال المتبقية لديهم، في بقاء أبنائهم على قيد الحياة.
ووفقاً للمعلومات التي يُتداول بها في الشق المتعلق بالحرب الدائرة في سوريا، وتحديداً لجهة دور «حزب الله» فيها، لا يبدو بحسب المعطيات الميدانية أن الحزب سينهي المعارك في دير الزور في القريب العاجل، إذ أن هناك وجهة أخرى لهذه المعارك في المرحلة المقبلة، تتركز على استعادة أكبر قدر من المناطق. ومن هنا يضع الحزب ضمن أعماله أو وفقاً للمخطط الايراني، التوجه مع الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، إلى ضفتي نهر الفرات لاحكام السيطرة عليهما، وذلك في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في محافظة إدلب، بالإضافة إلى استمرار المساعي والضغوط لإيجاد حلّ ملائم للمناطق القريبة من دمشق، وتحديداً الغوطة التي يتكبد فيها النظام السوري وحلفاؤه، خسائر فادحة بشكل يومي. وبكل تأكيد، فإن وضع الحزب ذاهب باتجاه التعقيد خصوصاً إذا ما قررت ايران إسناد مهمة جديدة له في المنطقة في سبيل توسيع وتثبيت نفوذها.
أمّا في لبنان، فلم يعد جائزاً لأي جهة أن تطرح نفسها بديلاً عن الدولة وعن الجيش تحديداً والقول أنها تُحارب في أي مكان سواء في الداخل أو الخارج، من أجل الدفاع عن اللبنانيين في مواجهة الإرهاب، فلبنان بجيشه أكد للقريب قبل البعيد، أنه حاضر للدفاع عن شعبه وقادر على مواجهة كافة الأخطار والتحديات وقد أثبت هذا الأمر قولاً وفعلاً وما الهزيمة التي ألحقها الجيش بتنظيم «داعش» الارهابي، سوى تأكيد جديد على صوابية الرهان عليه رغم المحاولات التي حاول البعض من خلالها، التقليل من شأن أو حجم هذا الانتصار الذي هو وبحسب جميع اللبنانيين، سابقة في تاريخ العمل العسكري للمؤسسة العسكرية.